الخطابة على التوجيهات المعللة بعلل سارية عامة، إنسانية ارتكازية أخلاقية أو إدراكية عقلية فكرية.
وأنت إذا تدبرت في أن يهود المدينة أنكروا بنحو الترديد المقارن للكفر، ثم أتبعهم يهود بني قريظة، ثم بنو نضير، ثم خيبر، ثم سائر اليهود، وإذا تأملت في أن أحبارهم طرف الخطاب بدوا، لأنهم يعرفون ويتمكنون من لبس الحق بالباطل وكتمانه، وهم يعرفون أن التوراة في صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صرحت: بأن الله يقيم من اخوتهم نبيا يقيم الحق، فقال الله تعالى: * (لا تلبسوا الحق) * وقال في التوراة: أحسنوا فيما تكلموا وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوحيه... وهكذا، فقال الله تعالى خطابا إليهم: * (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب) * الذي فيه هذا الأمر الواضح.
ولكن لمكان قوله تعالى: * (وأنتم تعلمون) * وقوله: * (أفلا تعقلون) * يتبين أن كل عاقل وعالم وظيفته ذلك، فالأوامر الكثيرة في هذه الآيات والنواهي المتعاقبة أعم.
ومن هنا تندفع مشكلة تتوجه على بلاغة الكتاب العزيز، وهو أن في أثناء توجيه اليهود إلى الإسلام وإلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المصدق لما معهم، لا يناسب قوله تعالى: * (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين * الذين يظنون...) * إلى آخره مع سائر الآيات السابقة، ولعل إعادة الخطاب بعد ذلك بقوله: * (يا بني إسرائيل) * تشهد على خروج الكلام.
ولكن ليس الأمر إلا من جهة أن البيان أعم من اليهود وغيرهم، فيرمز إلى الأعمية في الأثناء، كما تبين الأعمية في الآخر، فيعيد الخطاب