والذي هو التحقيق: أن الملائكة اصطلاح في الكتاب الإلهي عن خلق، وربما يمكن أن يعبر عن أفراد من الإنسان بالملائكة، فإن الشيطان من الإنس والجن، وشياطين الإنس والجن مذكورة في الكتاب، والملائكة أيضا من هذا القبيل، كما يظهر في محله إن شاء الله تعالى.
فعلى هذا لا حاجة إلى نفي قول الحشوية على الإطلاق، ولا إلى إثبات رأي سائر العلماء على إطلاقه، بل الملائكة أصناف وربما يطلق عليهم " العباد "، كما في قوله تعالى: * (بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) * (1)، مع أن العبد لا يطلق - حسب اللغة - على غير آحاد الإنسان، فتلك الملائكة المقدسون، ربما تكون من جنس آدم أو الجن أو غيرهما من المجردات المحضة، وفيهم المهيمنة الوالهون حول عرش ربهم.
وغير خفي أن القول بالتفصيل ليس خرقا للإجماع، لذهاب الشعراني إليه (2)، والمتبع هو البرهان، وقد عرفت منا: أن هذه الطائفة كانت فيها الجنبتان: الأرضية الظلمانية المادية اللطيفة، والسماوية النورانية الموحى إليهم أحيانا، ومن القسم الثاني الذين يخافون ربهم من فوقهم، ويفعلون ما يؤمرون، والذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وأعظم شأنا منهم من لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.