سوء الأدب عنهم، بالاعتراض على هذا الجعل من ناحية فساد المجعول، وبالمناقشة في هذا الاختيار، بأنه من سوء الخيار والاصطفاء، وبإبراز لغويته، وإظهار أنه لا أثر له ولا ثمرة عليه إلا التخلف والإفساد وسفك الدماء، فتلك المذاكرة خلاف الموازين، فكيف يمكن تصديقها، كي يكون في الكتاب الإلهي ما لا يمكن الإذعان حسب الظاهر.
أقول: هذه المشكلة والمعضلة، توجب انتقال الذهن إلى أن المذاكرة ما كانت قولية، ولا مثل سائر المذاكرات المنعقدة بين الوحدات الشخصية، فتكون على هذا مذاكرة تكوينية، وإلهامات غيبية، وخطورات نورانية من ناحية الرب، وحيث إن الملائكة مختلفة الأصناف، وربما تكون هي الاصطلاح الخاص لجميع القوى الموجودة في العالم، السرية المختفية عن الأسماع والأبصار الظاهرية، كما يأتي في محله تحقيقه وتفصيله، فلا بأس بأن تكون لها جنبة ظلمانية ونورانية، ظلمانية أرضية سفلية، ذات خطورات خاصة باطلة شيطانية، ونورانية سماوية ذات جنبة إلهية، تحصل لهم قوله تعالى وكلمته النورانية وحيا من وراء الحجرات والحجابات، فيكون بمنزلة قوله تعالى: * (قال ربك للملائكة) * وقوله تعالى: * (قال إني أعلم ما لا تعلمون) *.
ومن المحرر في محله: أن الموجودات المتقدرة بالمقادير المختلفة متكونة عن التراب والنار، بمعنى غلبة مادة التراب والنار على سائر المواد أحيانا، ويجوز أن تكون متكونة عن المياه والهواء، بمعنى غلبة هذه المادة، وربما تكون من الملائكة ما خلقت من الهواء، ولكونها لطيفة يكون الوليد منها قريبا من الملائكة المجردة عن المواد،