واختلفوا في أنه المطلق، أو أرض مكة. ولا وجه له ولا دليل عليه، ولا يساعد عليه بعض اللوامح التأريخية، ويحتمل كونه عالم الطبيعة. وليس المنظور أرضنا ولا آدمنا الذي هو أبونا، بل هو الوعاء المادي الجسماني. وهذا في حد ذاته وإن كان غير بعيد، إلا أنه غير ظاهر ولا شاهد عليه.
ففي قوله تعالى: * (في الأرض) * بلاغة خاصة، لإمكان كونه موجبا لتوجه الملائكة إلى السؤال المذكور وأنهم التفتوا منه إلى أن الخليفة ولو كان عن الله، ولكنه لمكان كونه في الأرض يسفك الدماء ويفسد فيها، لأنه من لوازم الأرض والطبيعة المادية الأرضية.
ومن هنا يظهر - احتمالا - وجه علمهم، من غير حاجة إلى سبق الخليفة في الأرض، من نوع آدم المنقرض أو نوع آخر من الجن أو غيرهم، ومن الغريب ما في تفاسيرنا (1) وتفاسيرهم من نقل القول: بأنها أرض مكة، مستدلا: بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " دحيت الأرض من مكة، ولذلك سميت بأم القرى " (2)، فإنه أجنبي عن كون هذه الأرض في الآية هي مكة.
وبالجملة: ليس المنظور هنا قسمة خاصة من الأرض، بل النظر إلى ما يقابلها، وهو أن هذا المخلوق المجعول على خلاف سائر المجعولات والمخلوقات يسكن الأرض، ويستقر عليها ويمشي ويعيش فيها.
فيعلم أن تلك الملائكة أجنبية عن الأرض وعن سكناها وأحكامها ولوازمها. ثم إن في بعض المأثورات عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أن هذه الأرض في