له غير هذا الحديث انتهى قوله (لا شئ في الهام) أي لا شئ مما يعتقدون في الهام قال النووي الهامة هي بتخفيف الميم على المشهور الذي لم يذكر الجمهور يره وقيل بتشديدها قاله جماعة وحكاه القاضي عن أبي زيد الأنصاري الامام في اللغة قال وفيها تأويلان أحدهما أن العرب كانت تتشاءم بها وهي الطائر المعروف من طير الليل وقيل هي البومة قالوا كانت إذا سقطت على دار أحدهم فرآها ناعية له نفسه أو بعض أهله وهذا تفسير مالك بن أنس والثاني أن العرب كانت تعتقد أن عظام الميت وقيل روحه ينقلب هامة تطير وهذا تفسير أكثر العلماء وهو المشهور ويجوز أن يكون المراد النوعين فإنهما جميعا باطلان فبين النبي صلى الله عليه وسلم إبطال ذلك وضلالة الجاهلية فيما يعتقده من ذلك (والعين) أي أثرها (حق) لا بمعنى أن لها تأثيرا بل بمعنى أنها سبب عادي كسائر الأسباب العادية بخلق الله تعالى عند نظر العائن إلى شئ وإعجابه ما شاء من ألم أو هلكة قال المازري وقد زعم بعض الطبائعيين المثبتين للعين أن العائن تنبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيهلك أو يفسد قالوا ولا يمتنع هذا كما لا يمتنع انبعاث قوة سمية من الأفعى والعقرب تتصل باللديغ فيهلك وإن كان غير محسوس لنا فكذا العين قال وهذا غير مسلم لأنا بينا في كتب علم الكلام أن لا فاعل إلا الله تعالى وبينا فساد القول بالطبائع وبينا أن المحدث لا يفعل في غيره شيئا وإذا تقرر هذا بطل ما قالوه ثم تقول هذا المنبعث من العين إما جوهر وإما عرض فباطل أن يكون عرضا لأنه لا يقبل الانتقال وباطل أن يكون جوهرا لأن الجواهر متجانسة فليس بعضها بأن يكون مفسدا لبعضها بأولى من عكسه فبطل ما قالوه قال أو قرب طريقه قالها من ينتحل الاسلام منهم أن قالوا لا يبعد أن تنبعث جواهر لطيفة غير مرئية من العين فتتصل بالمعين وتتخلل مسام جسمه فيخلق الله سبحانه وتعالى الهلاك عندها كما يخلق الهلاك عند شرب السم عادة أجراها الله تعالى وليست ضرورة ولا طبيعة إلجاء العقل إليها ومذهب أهل السنة أن العين إنما تفسد وتهلك عند نظر العائن بفعل الله تعالى أجرى الله سبحانه وتعالى العادة أن يخلق الضرر عند مقابلة هذا الشخص لشخص اخر وهل ثم جواهر خفية أم لا هذا من مجوزات العقول لا يقطع فيه بواحد من الأمرين وإنما يقطع بنفي الفعل عنها وبإضافته إلى الله تعالى فمن قطع من أطباء الاسلام بانبعاث الجواهر فقد أخطأ في قطعه وإنما هو من الجائزات
(١٨٦)