بهذا القائلون بعدم ثبوت خيار المجلس قالوا لأن في هذا الحديث دليلا على أن صاحبه لا يملك الفسخ إلا من جهة الاستقالة وأجيب بأن الحديث حجة عليهم لا لهم ومعناه لا يحل له أن يفارقه بعد البيع خشية أن يختار فسخ البيع فالمراد بالاستقالة فسخ النادم منهما للبيع وعلى هذا حمله الترمذي وغيره من العلماء قالوا ولو كانت الفرقة بالكلام لم يكن له خيار بعد البيع ولو كان المراد حقيقة الاستقالة لم تمنعه من المفارقة لأنها لا تختص بمجلس العقد وقد أثبت في أول الحديث الخيار ومده إلى غاية التفرق ومن المعلوم أن من له الخيار لا يحتاج إلى الاستقالة فتعين حملها على الفسخ وحملوا نفي الحل على الكراهة لأنه لا يليق بالمروءة وحسن معاشرة المسلم لا أن اختيار الفسخ حرام انتهى قلت الأمر كما قال الشوكاني وبهذا اندفع قول القاري في المرقاة بأنه دليل صريح لمذهبنا لأن الإقالة لا تكون إلا بعد تمام العقد ولو كان له خيار المجلس لما طلب من صاحبه الإقالة ووجه الاندفاع ظاهر من كلام الشوكاني وبكلامه أيضا ظهر صحة قول المظهر بأن المراد من الاستقالة طلب الفسخ لا حقيقة الإقالة وهي دفع العاقدين البيع بعد لزومه بتراضيهما أي لا ينبغي للمتقي أن يقوم من المجلس بعد العقد ويخرج من أن يفسخ العاقد الاخر البيع بخيار المجلس لأن هذا يشبه الخديعة انتهى ووجه صحة كلامه أيضا ظاهر من كلام الشوكاني (هذا حديث حسن) قال في المنتقى بعد ذكره رواه الخمسة إلا ابن ماجة ورواه الدارقطني وفي لفظ حتى يتفرقا من مكانهما قوله (ومعنى هذا أن يفارقه الخ) وكذا قال غير الترمذي من أهل العلم كما عرفت في كلام الشوكاني باب قوله (سمعت أبا زرعة بن عمرو) بن جرير البجلي الكوفي روى عن جده جرير وأبي هريرة من ثقات علماء التابعين قوله (لا يتفرقن عن بيع إلا عن تراض) وفي رواية أبي داود (لا يفترقن اثنان إلا عن تراض) قال الطيبي قوله عن تراض صفة مصدر محذوف والاستثناء متصل أي لا يتفرقن اثنان إلا تفرقا صادرا عن تراض انتهى قال القاري لمراد بالحديث والله تعالى أعلم أنهما لا يتفرقان إلا عن تراض بينهما فيما يتعلق بإعطاء الثمن وقبض المبيع وإلا فقد يحصل الضرر
(٣٧٨)