النسخ لا يثبت بالاحتمال ولا دلالة على النسخ مع مدعيه كذا في فتح الباري وقد بسط الحافظ فيه الكلام في هذا المقام بسطا حسنا وأجاد وقال الحافظ ابن القيم في أعلام الموقعين المثال العشرون رد المحكم الصحيح الصريح فمسألة المصراة بالمتشابه من القياس وزعمهم أن هذا يخالف الأصول فلا يقبل فيقال الأصول كتاب الله وسنة رسوله وإجماع أمته والقياس الصحيح الموافق للكتاب والسنة فالحديث الصحيح أصل بنفسه فكيف يقال الأصل يخالف نفسه هذا من أبطل الباطل والأصول في الحقيقة اثنان لا ثالث لهما كلام الله وكلام رسوله وما عداهما فمردود إليهما فالسنة أصل قائم بنفسه والقياس فرع فكيف يرد الأصل بالفرع وقد تقدم بيان موافقة حديث المصراة للقياس وإبطال قول من زعم أنه خلاف القياس ويا لله العجب كيف وافق الوضوء بالنبيذ المشتد للأصول حتى قبل وخالف خبر المصراة للأصول حتى رد انتهى قلت قد أطال الحافظ ابن القيم في هذا الكتاب في إبطال قول من زعم أنه خلاف القياس فعليك أن ترجع إليه تنبيه قال صاحب العرف الشذي أما ما ذكر صاحب المنار وغيره من أن حديث المصراة يرويه أبو هريرة وهو غير فقيه ورواية الذي ليس بفقيه غير معتبر إذا كانت خلاف القياس والقياس يقتضي بالفرق بين اللبن القليل والكثير ولبن الناقة أو الشاة أو البقرة وغيرها من الأقيسة فأقول إن مثل هذا قابل الإسقاط من الكتب فإنه لا يقول به عامل وأيضا هذه الضابطة لم ترد عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ولكنها منسوبة إلى عيسى بن أبان انتهى كلام صاحب العرف الشذي بلفظه قلت وكذلك كثير من الضوابط والمسائل المذكورة في كتب الحنفية المنسوبة إلى الإمام أبي حنيفة قابلة للإسقاط من الكتب الحنفية فإنها لم ترد عنه رحمه الله بل هي منسوبة إليه بلا دليل وشأنه أعلى وأجل أن يقول بها تنبيه آخر قال صاحب العرف الشذي أول من أجاب الطحاوي فعارض الحديث وأتى بحديث الخراج بالضمان وسنده قوي أقول إن هذا الجواب ليس بذاك القوي انتهى كلام صاحب العرف الشذي بلفظه ثم بسط في تضعيف جواب الطحاوي هذا وتوهينه قلت لا شك في أن جواب الطحاوي هذا ضعيف وواه وقد زعم الطحاوي رحمه الله أن حديث الخراج بالضمان ناسخ لحديث المصراة وهذا زعم فاسد قال الحافظ في الفتح وقيل إن ناسخه حديث الخراج بالضمان وهو حديث أخرجه أصحاب السنن عن عائشة ووجهة الدلالة منه أن اللبن فضلة من فضلات الشاه ولو هلكت لكان من ضمان المشتري فكذلك فضلاتها تكون له فكيف يعزم بدلها للبائع حكاه الطحاوي أيضا وتعقب بأن حديث المصراة أصلح منه باتفاق فكيف يقدم المرجوح على الراجح ودعوى كونه بعده لا دليل عليها وعلى التنزل فالمشتري لم يؤمر بغرامة ما حدث في ملكه بل بغرامة اللبن الذي ورد عليه العقد ولم يدخل في العقد فليس بين الحديثين على
(٣٨٣)