بالثاني وهو المعتمد وقد أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن أبي الطاهر بن أبي السرح قال سألت ابن عيينة عن اختلاف قراءة المدنيين والعراقيين هل هي الأحرف السبعة قال لا وانما الأحرف السبعة مثل هلم وتعال وأقبل أي ذلك قلت أجزأك قال وقال لي ابن وهب مثله والحق أن الذي جمع في المصحف هو المتفق على انزاله المقطوع به المكتوب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وفيه بعض ما اختلف فيه الأحرف السبعة لا جميعها كما وقع في المصحف المكي تجرى من تحتها الأنهار في آخر براءة وفى غيره بحذف من وكذا ما وقع من اختلاف مصاحف الأمصار من عدة واوات ثابتة في بعضها دون بعض وعدة هاءات وعدة لامات ونحو ذلك وهو محمول على أنه نزل بالامرين معا وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابته لشخصين أو اعلم بذلك شخصا واحدا وأمره باثباتهما على الوجهين وما عدا ذلك من القراءات مما لا يوافق الرسم فهو مما كانت القراءة جوزت به توسعة على الناس وتسهيلا فلما آل الحال إلى ما وقع من الاختلاف في زمن عثمان وكفر بعضهم بعضا اختار الاقتصار على اللفظ المأذون في كتابته وتركوا الباقي قال الطبري وصار ما اتفق عليه الصحابة من الاقتصار كمن اقتصر مما خير فيه على خصلة واحدة لان أمرهم بالقراءة على الأوجه المذكورة لم يكن على سبيل الايجاب بل على سبيل الرخصة (قلت) ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب فاقرءوا ما تيسر منه وقد قرر الطبري ذلك تقرير أطنب فيه ووهى من قال بخلافه ووافقه على ذلك جماعة منهم أبو العباس بن عمار في شرح الهداية وقال أصح ما عليه الحذاق أن الذي يقرأ الآن بعض الحروف السبعة المأذون في قراءتها لا كلها وضابطه ما وافق رسم المصحف فاما ما خالفه مثل أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج ومثل إذا جاء فتح الله والنصر فهو من تلك القراءات التي تركت ان صح السند بها ولا يكفي صحة سندها في اثبات كونها قرآنا ولا سيما والكثير منها ما يحتمل أن يكون من التأويل الذي قرن إلى التنزيل فصار يظن أنه منه وقال البغوي في شرح السنة المصحف الذي استقر عليه الامر هو آخر العرضات على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر عثمان بنسخه في المصاحف وجمع الناس عليه وأذهب ما سوى ذلك قطعا لمادة الخلاف فصار ما يخالف خط المصحف في حكم المنسوخ والمرفوع كسائر ما نسخ ووقع فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج عن الرسم وقال أبو شامة ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث وهى خلاف اجماع أهل العلم قاطبة وانما يظن ذلك بعض أهل الجهل وقال ابن عمار أيضا لقد فعل مسبع هذه السبعة مالا ينبغي له واشكل الامر على العامة بابهامه كل من قل نظره أن هذه القراءات هي المذكورة في الخبر وليته إذ اقتصر نقص عن السبعة أو زاد ليزيل الشبهة ووقع له أيضا في اقتصاره عن كل امام على راويين أنه صار من سمع قراءة راو ثالث غيرهما أبطلها وقد تكون هي أشهر وأصح وأظهر وربما بالغ من لا يفهم فخطأ أو كفر وقال أبو بكر بن العربي ليست هذه السبعة متعينة للجواز حتى لا يجوز غيرها كقراءة أبى جعفر وشيبة والأعمش ونحوهم فان هؤلاء مثلهم أو فوقهم وكذا قال غير واحد منهم مكي بن أبي طالب وأبو العلاء الهمداني وغيرهم من أئمة القراء وقال أبو حيان ليس في كتاب ابن مجاهد ومن تبعه من القراءات المشهورة الا النزر اليسير فهذا أبو عمرو بن العلاء اشتهر عنه سبعة عشر راويا ثم ساق أسماءهم واقتصر في كتاب ابن مجاهد
(٢٧)