فنقل من الغمرات إلى الضحضاح وقال البيهقي ما ورد من بطلان الخير للكفار فمعناه أنهم لا يكون لهم التخلص من النار ولا دخول الجنة ويجوز أن يخفف عنهم من العذاب الذي يستوجبونه على ما ارتكبوه من الجرائم سوى الكفر بما عملوه من الخيرات وأما عياض فقال انعقد الاجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب وإن كان بعضهم أشد عذابا من بعض (قلت) وهذا لا يرد الاحتمال الذي ذكره البيهقي فان جميع ما ورد من ذلك فيما يتعلق بذنب الكفر وأما ذنب غير الكفر فما المانع من تخفيفه وقال القرطبي هذا التخفيف خاص بهذا وبمن ورد النص فيه وقال ابن المنير في الحاشية هنا قضيتان إحداهما محال وهى اعتبار طاعة الكافر مع كفره لان شرط الطاعة أن تقع بقصد صحيح وهذا مفقود من الكافر الثانية إثابة الكافر على بعض الأعمال تفضلا من الله تعالى وهذا لا يحيله العقل فإذا تقرر ذلك لم يكن عتق أبى لهب لثويبة قربة معتبرة ويجوز أن يتفضل الله عليه بما شاء كما تفضل على أبى طالب والمتبع في ذلك التوقيف نفيا واثباتا (قلت) وتتمة هذا أن يقع التفضل المذكور اكراما لمن وقع من الكافر البر له ونحو ذلك والله أعلم * (قوله باب من قال لارضاع بعد حولين لقوله عز وجل حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) أشار بهذا إلى قول الحنفية ان أقصى مدة الرضاع ثلاثون شهرا وحجتهم قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا أي المدة المذكورة لكل من الحمل والفصال وهذا تأويل غريب والمشهور عند الجمهور أنها تقدير مدة أقل الحمل وأكثر مدة الرضاع والى ذلك صار أبو يوسف ومحمد بن الحسن ويؤيد ذلك ان أبا حنيفة لا يقول إن أقصى الحمل سنتان ونصف وعند المالكية رواية توافق قول الحنفية لكن منزعهم في ذلك أنه يغتفر بعد الحولين مدة يدمن الطفل فيها على الفطام لان العادة أن الصبى لا يفطم دفعة واحدة بل على التدريج في أيام قليلات فللأيام التي يحاول فيها فطامه حكم الحولين ثم اختلفوا في تقدير تلك المدة قيل يغتفر نصف سنة وقيل شهران وقيل شهر ونحوه وقيل أيام يسيره وقيل شهر وقيل لا يزاد على الحولين وهى رواية ابن وهب عن مالك وبه قال الجمهور ومن حجتهم حديث ابن عباس رفعه لا رضاع الا ما كان في الحولين أخرجه الدارقطني وقال لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل وهو ثقة حافظ وأخرجه ابن عدي وقال غير الهيثم يوقفه على ابن عباس وهو المحفوظ وعندهم متى وقع الرضاع بعد الحولين ولو بلحظة لم يترتب عليه حكم وعند الشافعية لو ابتدأ الوضع في أثناء الشهر جبر المنكسر من شهر آخر ثلاثين يوما وقال زفر يستمر إلى ثلاث سنين إذا كان يجتزئ باللبن ولا يجتزئ بالطعام وحكى ابن عبد البر عنه أنه يشترط مع ذلك أن يكون يجتزئ باللبن وحكى عن الأوزاعي مثله لكن قال بشرط أن لا يفطم فمتى فطم ولو قبل الحولين فما رضع بعده لا يكون رضاعا (قوله وما يحرم من قليل الرضاع وكثيره) هذا مصير منه إلى التمسك بالعموم الوارد في الاخبار مثل حديث الباب وغيره وهذا قول مالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث وهو المشهور عند أحمد وذهب آخرون إلى أن الذي يحرم ما زاد على الرضعة الواحدة ثم اختلفوا فجاء عن عائشة عشر رضعات أخرجه مالك في الموطأ وعن حفصة كذلك وجاء عن عائشة أيضا سبع رضعات أخرجه ابن أبي خيثمة باسناد صحيح عن عبد الله بن الزبير عنها وعبد الرزاق من طريق عروة كانت عائشة تقول لا يحرم دون سبع رضعات أو خمس رضعات وجاء عن عائشة
(١٢٥)