ففي هذا إشارة إلى الحكمة في التقسيط الذي أشرت إليه لتفصيل ما ذكره من المحكم والمنسوخ ويؤيده أيضا الرواية الماضية في بدء الخلق بلفظ فيدارسه القرآن فان ظاهره ان كلا منهما كان يقرأ على الآخر وهى موافقة لقوله يعارضه فيستدعى ذلك زمانا زائدا على ما لو قرأ الواحد ولا يعارض ذلك قوله تعالى سنقرئك فلا تنسى إذا قلنا إن لا نافية كما هو المشهور وقول الأكثر لان المعنى انه إذا أقرأه فلا ينسى ما أقرأه ومن جملة الأقراء مدارسة جبريل أو المراد أن المنفى بقوله فلا تنسى النسيان الذي لا ذكر بعده لا النسيان الذي يعقبه الذكر في الحال حتى لو قدر أنه نسى شيئا فإنه يذكره إياه في الحال وسيأتى مزيد بيان لذلك في باب نسيان القرآن إن شاء الله تعالى وقد تقدمت بقية فوائد حديث ابن عباس في بدء الوحي (قوله حدثنا خالد بن يزيد) هو الكاهلي وأبو بكر هو ابن عياش بالتحتانية والمعجمة وأبو حصين بفتح أوله عثمان بن عاصم وذكوان هو أبو صالح السمان (قوله كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم) كذا لهم بضم أوله على البناء للمجهول وفى بعضها بفتح أوله بحذف الفاعل فالمحذوف هو جبريل صرح به إسرائيل في روايته عن أبي حصين أخرجه الإسماعيلي ولفظه كان جبريل يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في كل رمضان والى هذه الرواية أشار المصنف في الترجمة (قوله القرآن كل عام مرة) سقط لفظ القرآن لغير الكشميهني زاد إسرائيل عند الإسماعيلي فيصبح وهو أجود بالخير من الريح المرسلة وهذه الزيادة غريبة في حديث أبي هريرة وانما هي محفوظة من حديث ابن عباس (قوله فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه) في رواية إسرائيل عرضتين وقد تقدم ذكر الحكمة في تكرار العرض في السنة الأخيرة ويحتمل أيضا أن يكون السر في ذلك أن رمضان من السنة الأولى لم يقع فيه مدارسة لوقوع ابتداء النزول في رمضان ثم فتر الوحي ثم تتابع فوقعت المدارسة في السنة الأخيرة مرتين ليستوى عدد السنين والعرض (قوله وكان يعتكف في كل عام عشرا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه) ظاهره أنه اعتكف عشرين يوما من رمضان وهو مناسب لفعل جبريل حيث ضاعف عرض القرآن في تلك السنة ويحتمل أن يكون السبب ما تقدم في الاعتكاف أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف عشرا فسافر عاما فلم يعتكف فاعتكف من قابل عشرين يوما وهذا انما يتأتى في سفر وقع في شهر رمضان وكان رمضان من سنة تسع دخل وهو صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهذا بخلاف القصة المتقدمة في كتاب الصيام انه شرع في الاعتكاف في أول العشر الأخير فلما رأى ما صنع أزواجه من ضرب الأخبية تركه ثم اعتكف عشرا في شوال اتحاد القصة ويحتمل أيضا أن تكون القصة التي في حديث الباب هي التي أوردها مسلم وأصلها عند البخاري من حديث أبي سعيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور العشر التي في وسط الشهر فإذا استقبل إحدى وعشرين رجع فأقام في شهر جاور فيه تلك الليلة التي كان يرجع فيها ثم قال انى كنت أجاور هذه العشر الوسط ثم بدا لي أن أجاور العشر الأواخر فجاور العشر الأخير الحديث فيكون المراد بالعشرين العشر الأوسط والعشر الأخير * (قوله باب القراء من أصحاب رسول الله عليه وسلم) أي الذين اشتهروا بحفظ القرآن والتصدي لتعليمه وهذا اللفظ كان في عرف السلف أيضا لمن تفقه في القرآن وذكره فيه ستة أحاديث * الأول
(٤٢)