وأكثرهم يومئذ لا يكتب ولا يعرف الرسم وانما كانوا يعرفون الحروف بمخارجها قال واما ما وجد من الحروف المتباينة المخرج المتفقة الصورة مثل ننشرها وننشزها فان السبب في ذلك تقارب معانيها واتفق تشابه صورتها في الخط (قلت) ولا يلزم من ذلك توهين ما ذهب إليه ابن قتيبة لاحتمال أن يكون الانحصار المذكور في ذلك وقع اتفاقا وانما اطلع عليه بالاستقراء وفى ذلك من الحكمة البالغة ما لا يخفى وقال أبو الفضل الرازي الكلام لا يخرج عن سبعة أوجه في الاختلاف الأول اختلاف الأسماء من افراد وتثنية وجمع أو تذكير وتأنيث الثاني اختلاف تصريف الافعال من ماض ومضارع وأمر الثالث وجوه الاعراب الرابع النقص والزيادة الخامس التقديم والتأخير السادس الابدال السابع اختلاف اللغات كالفتح والإمالة والترقيق والتفخيم والادغام والاظهار ونحو ذلك (قلت) وقد أخذ كلام ابن قتيبة ونقحه وذهب قوم إلى أن السبعة أحرف سبعة أصناف من الكلام واحتجوا بحديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا آمنا به كل من عند ربنا أخرجه أبو عبيد وغيره قال ابن عبد البر هذا حديث لا يثبت لأنه من رواية أبى سلمة بن عبد الرحمن عن ابن مسعود ولم يلق ابن مسعود وقد رده قوم من أهل النظر منهم أبو جعفر أحمد بن أبي عمران (قلت) وأطنب الطبري في مقدمة تفسيره في الرد على من قال به وحاصله أنه يستحيل أن يجتمع في الحرف الواحد هذه الأوجه السبعة وقد صح الحديث المذكور ابن حبان والحاكم وفى تصحيحه نظر لانقطاعه بين أبى سلمة وابن مسعود وقد أخرجه البيهقي من وجه آخر عن الزهري عن أبي سلمة مرسلا وقال هذا مرسل جيد ثم قال إن صح فمعنى قوله في هذا الحديث سبعة أحرف أي سبعة أوجه كما فسرت في الحديث وليس المراد الأحرف السبعة التي تقدم ذكرها في الأحاديث الأخرى لان سياق تلك الأحاديث يأبى حملها على هذا بل هي ظاهرة في أن المراد أن الكلمة الواحدة تقرأ على وجهين وثلاثة وأربعة إلى سبعة تهوينا وتيسيرا والشئ الواحد لا يكون حراما وحلالا في حالة واحدة وقال أبو علي الأهوازي وأبو العلاء الهمداني قوله زاجر وآمر استئناف كلام آخر أي هو زاجر أي القرآن ولم يرد به تفسير الأحرف السبعة وانما توهم ذلك من توهمه من جهة الاتفاق في العدد ويؤيده أنه جاء في بعض طرقه زاجرا وآمرا الخ بالنصب أي نزل على هذه الصفة من الأبواب السبعة وقال أبو شامة يحتمل أن يكون التفسير المذكور للأبواب لا للأحرف أي هي سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه وأنزله الله على هذه الأصناف لم يقتصر منها على صنف واحد كغيره من الكتب (قلت) وما يوضح أن قوله زاجر وآمر الخ ليس تفسيرا للأحرف السبعة ما وقع في مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب عقب حديث ابن عباس الأول من حديثي هذا الباب قال ابن شهاب بلغني أن تلك الأحرف السبعة انما هي في الامر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام قال أبو شامة وقد اختلف السلف في الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن هل هي مجموعة في المصحف الذي بأيدي الناس اليوم أوليس فيه الا حرف واحد منها مال ابن الباقلاني إلى الأول وصرح الطبري وجماعة
(٢٦)