ما يسهل حفظه وتنضبط القراءة به فنظروا إلى من اشتهر بالثقة والأمانة وطول العمر في ملازمة القراءة والاتفاق على الاخذ عنه فافردوا من كل مصر إماما واحدا ولم يتركوا مع ذلك نقل ما كان عليه الأئمة غير هؤلاء من القراءات ولا القراءة به كقراءة يعقوب وعاصم الجحدري وأبى جعفر وشيبة وغيرهم قال وممن اختار من القراءات كما اختار الكسائي أبو عبيد وأبو حاتم والمفضل وأبو جعفر الطبري وغيرهم وذلك واضح في تصانيفهم في ذلك وقد صنف ابن جبير المكي وكان قبل ابن مجاهد كتابا في القراءات فاقتصر على خمسة اختار من كل مصر إماما وانما اقتصر على ذلك لان المصاحف التي أرسلها عثمان كانت خمسة إلى هذه الأمصار ويقال انه وجه بسبعة هذه الخمسة ومصحفا إلى اليمن ومصحفا إلى البحرين لكن لم نسمع لهذين المصحفين خبرا وأراد ابن مجاهد وغيره مراعاة عدد المصاحف فاستبدلوا من غير البحرين واليمن قارئين يكمل بهما العدد فصادف ذلك موافقة العدد الذي ورد الخبر بها وهو أن القرآن أنزل على سبعة أحرف فوقع ذلك لمن لم يعرف أصل المسئلة ولم يكن له فطنة فظن أن المراد بالقراءات السبع الأحرف السبعة ولا سيما وقد كثر استعمالهم الحرف في موضع القراءة فقالوا قرأ بحرف نافع بحرف ابن كثير فتأكد الظن بذلك وليس الامر كما ظنه والأصل المعتمد عليه عند الأئمة في ذلك أنه الذي يصح سنده في السماع ويستقيم وجهه في العربية ويوافق خط المصحف وربما زاد بعضهم الاتفاق عليه ونعني بالاتفاق كما قال مكي بن أبي طالب ما اتفق عليه قراء المدينة والكوفة ولا سيما إذا اتفق نافع وعاصم قال وربما أرادوا بالاتفاق ما اتفق عليه أهل الحرمين قال وأصح القراءات سندا نافع وعاصم وأفصحها أبو عمرو والكسائي وقال 3 ابن السمعاني القراءات في الشافي التمسك بقراءة سبعة من القراء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنة وانما هو من جمع بعض المتأخرين فانتشر رأيهم أنه لا تجوز الزيادة على ذلك قال وقد صنف غيره في السبع أيضا فذكر شيئا كثيرا من الروايات عنهم غير ما في كتابه فلم يقل أحد انه لا تجوز القراءة بذلك لخلو ذلك المصحف عنه وقال أبو الفضل الرازي في اللوائح بعد ان ذكر الشبهة التي من أجلها ظن الأغبياء ان أحرف الأئمة السبعة هي المشار إليها في الحديث وان الأئمة بعد ابن مجاهد جعلوا القراءات ثمانية أو عشرة لأجل ذلك قال واقتفيت أثرهم لأجل ذلك وأقول لو اختار امام من أئمة القراء حروفا وجرد طريقا في القراءة بشرط الاختيار لم يكن ذلك خارجا عن الأحرف السبعة وقال الكواشي كل ما صح سنده واستقام وجهه في العربية ووافق لفظه خط المصحف الامام فهو من السبعة المنصوصة فعلى هذا الأصل بنى قبول القراءات عن سبعة كانوا أو سبعة آلاف ومتى فقد شرط من الثلاثة فهو الشاذ (قلت) وانما أوسعت القول في هذا لما تجدد في هذه الأعصار المتأخرة من توهم أن القراءات المشهورة منحصرة في مثل التيسير والشاطبية وقد اشتد انكار أئمة هذا الشأن على من ظن ذلك كأبى شامة وأبى حيان وآخر من صرح بذلك السبكي فقال في شرح المنهاج عند الكلام على القراءة بالشاذ صرح كثير من الفقهاء بأن ما عدا السبعة شاذ توهما منه انحصار المشهور فيها والحق أن الخارج عن السبعة على قسمين الأول ما يخالف رسم المصحف فلا شك في أنه ليس بقرآن والثاني مالا يخالف رسم المصحف وهو على قسمين أيضا الأول ما ورد من طريق غريبة فهذا ملحق بالأول والثاني ما اشتهر عند أئمة هذا الشأن
(٢٩)