بذلك إلى طريق الرهبانية فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التزموه وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفية السمحة فيفطر ليتقوى على الصوم وينام ليتقوى على القيام ويتزوج لكسر الشهوة واعفاف النفس وتكثير النسل وقوله فليس منى إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه فمعنى فليس منى أي على طريقتي ولا يلزم أن يخرج عن الملة وإن كان اعراضا وتنطعا يفضى إلى اعتقاد أرجحية عمله فمعنى فليس منى ليس على ملتي لان اعتقاد ذلك نوع من الكفر وفى الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب فيه وفيه تتبع أحوال الأكابر للتأسي بأفعالهم وانه إذا تعذرت معرفته من الرجال جاز استكشافه من النساء وان من عزم على عمل بر واحتاج إلى اظهاره حيث يأمن الرياء لم يكن ذلك ممنوعا وفيه تقديم الحمد والثناء على الله عند القاء مسائل العلم وبيان الاحكام للمكلفين وإزالة الشبهة عن المجتهدين وان المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة والاستحباب وقال الطبري فيه الرد على من منع استعمال الحلال من الأطعمة والملابس وآثر غليظ الثياب وخشن المأكل قال عياض هذا مما اختلف فيه السلف فمنهم من نحا إلى ما قال الطبري ومنهم من عكس واحتج بقوله تعالى أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا قال والحق ان هذه الآية في الكفار وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بالامرين (قلت) لا يدل ذلك لاحد الفريقين إن كان المراد المداومة على أحد الصفتين والحق ان ملازمة استعمال الطيبات تفضى إلى الترفه والبطر ولا يأمن من الوقوع في الشبهات لان من اعتاد ذلك قد لا يجده أحيانا فلا يستطيع الانتقال عنه فيقع في المحظور كما أن منع تناول ذلك أحيانا يفضى إلى التنطع المنهى عنه ويرد عليه صريح قوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق كما أن الاخذ بالتشديد في العبادة يفضى إلى الملل القاطع لأصلها وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلا وترك التنفل يفضى إلى ايثار البطالة وعدم النشاط إلى العبادة وخير الأمور الوسط وفى قوله انى لأخشاكم لله مع ما انضم إليه إشارة إلى ذلك وفيه أيضا إشارة إلى أن العلم بالله ومعرفة ما يجب من حقه أعظم قدرا من مجرد العبادة البدنية والله أعلم * الحديث الثاني (قوله حدثنا على سمع حسان بن إبراهيم) لم أر عليا هذا منسوبا في شئ من الروايات ولا نبه عليه أبو علي الغساني ولا نسبه أبو نعيم كعادته لكن جزم المزي تبعا لأبي مسعود بأنه علي بن المديني وكان الحامل على ذلك شهرة علي بن المديني في شيوخ البخاري فإذا أطلق اسمه كان الحمل عليه أولى من غيره والا فقد روى عن حسان ممن يسمى عليا علي بن حجر وهو من شيوخ البخاري أيضا وكان حسان المذكور قاضى كرمان ووثقه ابن معين وغيره ولكن له افراد قال ابن عدي هو من أهل الصدق الا أنه ربما غلط (قلت) ولم أر له في البخاري شيا انفرد به وقد أدركه بالسن الا أنه لم يلقه لأنه مات سنة ست ومائتين قبل أن يرتحل البخاري وقد تقدم شرح الحديث المذكور فيه مستوفى في تفسير سورة النساء * (قوله باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) وقع في رواية السرخسي لأنه والأول أولى لأنه بقية لفظ الحديث وإن كان تصرف فيه فاختصر منه لفظ منكم وكأنه أشار إلى أن الشفاهي لا يخص وهو كذلك اتفاقا وانما الخلاف هل يعم نصا أو استنباطا ثم رأيته في الصيام أخرجه من وجه آخر عن الأعمش
(٩١)