أعلم واستدل به على أن الخاطب الأول إذا أذن للخاطب الثاني في التزويج ارتفع التحريم ولكن هل يختص ذلك بالمأذون له أو يتعدى لغيره لان مجرد الاذن الصادر من الخاطب الأول دال على اعراضه عن تزويج تلك المرأة وباعراضه يجوز لغيره أن يخطبها الظاهر الثاني فيكون الجواز للمأذون له بالتنصيص ولغير المأذون له بالالحاق ويؤيده قوله في الحديث الثاني من الباب أو يترك وصرح الروياني من الشافعية بأن محل التحريم إذا كانت الخطبة من الأول جائزة فإن كانت ممنوعة كخطبة المعتدة لم يضر الثاني بعد انقضاء العدة أن يخطبها وهو واضح لان الأول لم يثبت له بذلك حق واستدل بقوله على خطبة أخيه أن محل التحريم إذا كان الخاطب مسلما فلو خطب الذمي ذمية فأراد المسلم أن يخطبها جاز له ذلك مطلقا وهو قول الأوزاعي ووافقه من الشافعية ابن المنذر وابن جويرية والخطابي ويؤيده قوله في أول حديث عقبة بن عامر عند مسلم المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبته حتى يذر وقال الخطابي قطع الله الاخوة بين الكافر والمسلم فيختص النهى بالمسلم وقال ابن المنذر الأصل في هذا الإباحة حتى يرد المنع وقد ورد المنع مقيدا بالمسلم فبقى ما عدا ذلك على أصل الإباحة وذهب الجمهور إلى الحاق الذمي بالمسلم في ذلك وأن التعبير بأخيه خرج على الغالب فلا مفهوم له وهو كقوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم وكقوله وربائبكم اللاتي في حجوركم ونحو ذلك وبناه بعضهم على أن هذا المنهى عنه هل هو من حقوق العقد واحترامه أو من حقوق المتعاقدين فعلى الأول فالراجح ما قال الخطابي وعلى الثاني فالراجح ما قال غيره وقريب من هذا البناء اختلافهم في ثبوت الشفعة للكافر فمن جعلها من حقوق الملك أثبتها له ومن جعلها من حقوق المالك منع وقريب من هذا البحث ما نقل عن ابن القاسم صاحب مالك أن الخاطب الأول إذا كان فاسقا جاز للعفيف أن يخطب على خطبته ورجحه ابن العربي منهم وهو متجه فيما إذا كانت المخطوبة عفيفة فيكون الفاسق غير كفء لها فتكون خطبته كلا خطبة ولم يعتبر الجمهور ذلك إذا صدرت منها علامة القبول وقد أطلق بعضهم الاجماع على خلاف هذا القول ويلتحق بهذا ما حكاه بعضهم من الجواز إذا لم يكن الخاطب الأول أهلا في العادة لخطبة تلك المرأة كما لو خطب سوقي بنت ملك وهذا يرجع إلى التكافؤ واستدل به على تحريم خطبة المرأة على خطبة امرأة أخرى الحاقا لحكم النساء بحكم الرجال وصورته أن ترغب أمرة في رجل وتدعوه إلى تزويجها فيجيبها كما تقدم فتجئ امرأة أخرى فتدعوه وترغبه في نفسها وتزهده في التي قبلها وقد صرحوا باستحباب خطبة أهل الفضل من الرجال ولا يخفى أن محل هذا إذا كان المخطوب عزم أن لا يتزوج الا بواحدة فاما إذا جمع بينهما فلا تحريم وسيأتى بعد ستة أبواب في باب الشروط التي لا تحل في النكاح مزيد بحث في هذا (قوله حتى ينكح) أي حتى يتزوج الخاطب الأول فيحصل اليأس المحض وقوله أو يترك أي الخاطب الأول التزويج فيجوز حينئذ للثاني الخطبة فالغايتان مختلفتان الأولى ترجع إلى اليأس والثانية ترجع إلى الرجاء ونظير الأولى قوله تعالى حتى يلج الجمل في سم الخياط * (قوله باب تفسير ترك الخطبة) ذكر فيه طرفا من حديث عمر حين تأيمت حفصة وفى آخره قول أبى بكر الصديق رضي الله عنه ولو تركها لقبلتها وقد تقدم شرحه مستوفى قبل أبواب قال ابن بطال ما ملخصه تقدم
(١٧٢)