على التنزيه من أجل أنهما كانا يصيدان على مذهب الجاهلية فعلمهما النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصيد والذبح فرضه ومندوبه لئلا يواقعا شبهة من ذلك وليأخذا بأكمل الأمور فيما يستقبلان واما الذين سألوا عن هذه الذبائح فإنهم سألوا عن أمر قد وقع ويقع لغيرهم ليس فيه قدرة على الاخذ بالأكمل فعرفهم بأصل الحل فيه وقال ابن التين يحتمل أن يراد بالتسمية هنا عند الاكل وبذلك جزم النووي قال ابن التين وأما التسمية على ذبح تولاه غيرهم من غير علمهم فلا تكليف عليهم فيه وانما يحمل على غير الصحة إذا تبين خلافها ويحتمل أن يريد أن تسميتكم الآن تستبيحون بها أكل ما لم تعلموا أذكر اسم الله عليه أم لا إذا كان الذابح ممن تصح ذبيحته إذا سمى ويستفاد منه أن كل ما يوجد في أسواق المسلمين محمول على الصحة وكذا ما ذبحه أعراب المسلمين لان الغالب أنهم عرفوا التسمية وبهذا الأخير جزم ابن عبد البر فقال فيه ان ما ذبحه المسلم يؤكل ويحمل على أنه سمى لان المسلم لا يظن به في كل شئ الا الخير حتى يتبين خلاف ذلك وعكس هذا الخطابي فقال فيه دليل على أن التسمية غير شرط على الذبيحة لأنها لو كانت شرطا لم تستبح الذبيحة بالامر المشكوك فيه كما لو عرض الشك في نفس الذبح فلم يعلم هل وقعت الذكاة المعتبرة أو لا وهذا هو المتبادر من سياق الحديث حيث وقع الجواب فيه فسموا أنتم وكلوا كأنه قيل لهم لا تهتموا بذلك بل الذي يهمكم أنتم أن تذكروا اسم الله وتأكلوا وهذا من أسلوب الحكيم كما نبه عليه الطيبى ومما يدل على عدم الاشتراط قوله تعالى وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم فأباح الاكل من ذبائحهم مع وجود الشك في أنهم سموا أم لا * (تكملة) * قال الغزالي في الاحياء في مراتب الشبهات المرتبة الأولى ما يتأكد الاستحباب في التورع عنه وهو ما يقوى فيه دليل المخالف فمنه التورع عن أكل متروك التسمية فان الآية ظاهرة في الايجاب والاخبار متواترة بالامر بها ولكن لما صح قوله صلى الله عليه وسلم المؤمن يذبح على اسم الله سمى أو لم يسم احتمل أن يكون عاما موجبا لصرف الآية والاخبار عن ظاهر الامر واحتمل أن يخصص بالناسي ويبقى من عداه على الظاهر وهذا الاحتمال الثاني أولى والله أعلم (قلت) الحديث الذي اعتمد عليه وحكم بصحته بالغ النووي في انكاره فقال هو مجمع على ضعفه قال وقد أخرجه البيهقي من حديث أبي هريرة وقال منكر لا يحتج به وأخرج أبو داود في المراسيل عن الصلت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر (قلت) الصلت يقال له السدوسي ذكره ابن حبان في الثقات وهو مرسل جيد وحديث أبي هريرة فيه مروان بن سالم وهو متروك ولكن ثبت ذلك عن ابن عباس كما تقدم في أول باب التسمية على الذبيحة واختلف في رفعه ووقفه فإذا انضم إلى المرسل المذكور قوى أما كونه يبلغ درجة الصحة فلا والله أعلم * (قوله باب ذبائح أهل الكتاب وشحومها من أهل الحرب وغيرهم) أشار إلى جواز ذلك وهو قول الجمهور وعن مالك وأحمد تحريم ما حرم الله على أهل الكتاب كالشحوم وقال ابن القاسم لان الذي أباحه الله طعامهم وليس الشحوم من طعامهم ولا يقصدونها عند الذكاة وتعقب بأن ابن عباس فسر طعامهم بذبائحهم كما سيأتي آخر الباب وإذا أبيحت ذبائحهم لم يحتج إلى قصدهم أجزاء المذبوح والتذكية لا تقع على بعض أجزاء المذبوح دون بعض وإن كانت التذكية شائعة في جميعها دخل الشحم لا محالة وأيضا فان الله سبحانه وتعالى نص بأنه حرم عليهم كل ذي ظفر فكان
(٥٤٨)