ما هي عليه الآن في المصحف توقيف من الله تعالى وعلى ذلك نقلته الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم (قوله انما نزل أول ما نزل منه سورة من المفعل فيها ذكر الجنة والنار) هذا ظاهره مغاير لما تقدم ان أول شئ نزل اقرأ باسم ربك وليس فيها ذكر الجنة والنار فلعل من مقدرة أي من أول ما نزل أو المراد سورة المدثر فإنها أول ما نزل بعد فترة الوحي وفى آخرها ذكر الجنة والنار فلعل آخرها نزل قبل نزول بقية سورة اقرأ فان الذي نزل أولا من اقرأ كما تقدم خمس آيات فقط (قوله حتى إذا ثاب) بالمثلثة ثم الموحدة أي رجع (قوله نزل الحلال والحرام) أشارت إلى الحكمة الإلهية في ترتيب التنزيل وان أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة وللكافر والعاصي بالنار فلما اطمانت النفوس على ذلك أنزلت الاحكام ولهذا قالت ولو نزل أول شئ لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندعها وذلك لما طبعت عليه النفوس من النفرة عن ترك المألوف وسيأتى بيان المراد بالمفصل في الحديث الرابع (قوله لقد نزل بمكة الخ) أشارت بذلك إلى تقوية ما ظهر لها من الحكمة المذكورة وقد تقدم نزول سورة القمر وليس فيها شئ من الاحكام على نزول سورة البقرة والنساء مع كثرة ما اشتملتا عليه من الاحكام وأشارت بقولها وانا عنده أي بالمدينة لان دخولها عليه انما كان بعد الهجرة اتفاقا وقد تقدم ذلك في مناقبها وفى الحديث رد على النحاس في زعمه ان سورة النساء مكية مستندا إلى قوله تعالى ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها نزلت بمكة اتفاقا في قصة مفتاح الكعبة لكنها حجة واهية فلا يلزم من نزول آية أو آيات من سورة طويلة بمكة إذا نزل معظمها بالمدينة أن تكون مكية بل الأرجح أن جميع ما نزل بعد الهجرة معدود من المدني وقد اعتنى بعض الأئمة ببيان ما نزل من الآيات المدنية في السور المكية وقد أخرج ابن الضريس في فضائل القرآن من طريق عثمان ابن عطاء الخراساني عن أبيه عن ابن عباس أن الذي نزل بالمدينة البقرة ثم آل عمران ثم الأنفال ثم الأحزاب ثم المائدة ثم الممتحنة والنساء ثم إذا زلزلت ثم الحديد ثم القتال ثم الرعد ثم الرحمن ثم الانسان ثم الطلاق ثم إذا جاء نصر الله ثم النور ثم المنافقون ثم المجادلة ثم الحجرات ثم التحريم ثم الجاثية ثم التغابن ثم الصف ثم الفتح ثم براءة وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس أن سورة الكوثر مدنية فهو المعتمد واختلف في الفاتحة والرحمن والمطففين وإذا زلزلت والعاديات والقدر وأرأيت والاخلاص والمعوذتين وكذا اختلف مما تقدم في الصف والجمعة والتغابن وهذا بيان ما نزل بعد الهجرة من الآيات مما في المكي فمن ذلك الأعراف نزل بالمدينة منها واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إلى وإذ أخذ ربك * يونس نزل منها بالمدينة فان كنت في شك آيتان وقيل ومنهم من يؤمن به آية وقيل من رأس أربعين إلى آخرها مدني * هود ثلاث آيات ولعلك تارك أفمن كان على بينة من ربه وأقم الصلاة طرفي النهار * النحل ثم إن ربك للذين هاجروا الآية وان عاقبتم إلى آخر السورة * الاسراء وان كادوا ليستفزونك وقال رب أدخلني وإذ قلنا لك ان ربك أحاط بالناس ويسئلونك عن الروح قل آمنوا به أو لا تؤمنوا * الكهف مكية الا أولها إلى جرزا وآخرها من أن الذين آمنوا مريم آية السجدة الحج من أولها إلى شديد ومن كان يظن وان الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله وأذن للذين يقاتلون ولولا دفع الله وليعلم الذين أوتو العلم والذين هاجروا وما بعدها وموضع السجدتين وهذان خصمان الفرقان والذين
(٣٧)