وإيراده هنا، وإليك نصه: (فقف، أيها القارئ الكريم! وتأمل جيدا في هذا الخبر الشريف المجمع عليه، فإن بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وقرة عينه الوحيدة تطلب منه من السبي والغنائم خادما ليعينها في مهام منزلها، ويزيل عنها شيئا من تعبها، وهو سلطان نافذ الكلمة، وراع مسيطر في وقته، بيده الأموال بل النفوس، وله القدرة بأعظم مظاهرها بحيث يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله، مع ذلك كله يأمر ابنته الوحيدة، وفلذة كبده الفريدة بالتقوى، والقيام بواجب بيتها، والاكثار من ذكر ربها، ولم يرض أن يعطيها من بيت مال المسلمين خادما، وقال - صلى الله عليه و عليهما -: ألا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ (كما في الخبر الوارد في متن الفقيه)، فتجيب المعصومة عليها السلام طائعة مشعوفة مختارة: (رضيت عن الله ورضيت عن رسوله)، فخذها مثالا يلمسك الحقيقة جدا في معرفة من حذا حذو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن مال عن طريقته ونأى بجانبه وحاد عن سنته ممن يدعي الخلافة بعده، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الأمام المتبع فعله، والرئيس المقتفى أثره.
هذا علي بن أبي طالب عليه السلام ترك التفضيل لنفسه وولده على أحد من أهل الإسلام، دخلت عليه أخته أم هاني بنت أبي طالب فدفع إليها عشرين درهما، فسألت أم هاني مولاتها العجمية، فقالت: كم دفع إليك أمير المؤمنين؟ فقالت عشرين درهما، فانصرفت مسخطة، فقال لها: انصرفي - رحمك الله - ما وجدنا في كتاب الله فضلا لإسماعيل على إسحاق.
وبعث إليه من البصرة من غوص البحر بتحفة لا يدرى ما قيمتها، فقالت ابنته أم كلثوم: أتجمل به ويكون في عنقي؟ فقال: يا أبا رافع! أدخله إلى بيت المال، ليس إلى ذلك سبيل حتى لا يبقى امرأة من المسلمين إلا ولها مثل ذلك.
ثم ذكر خطبته على المهاجرين والأنصار، وكلامه مع عقيل، ثم قال: وهذا ابن عفان أعطى سعد بن أبي سرح أخاه من الرضاعة جميع ما أفاء الله عليه من فتح إفريقية بالمغرب، وهي طرابلس الغرب إلى طنجة من غير أن يشركه فيه أحدا من