إلى الكعبة التي هي تراب، والروح التي هي جوهر مجرد تتوجه إلى النور المجرد، وكل جنس لاحق بجنسه، النور للنور، والتراب للتراب. وإلى بعض هذا أشار بعض شعراء فاطميين إذ يقول عن الأمام:
بشر في العين إلا أنه * من طريق الحق نور وهدى جل أن تدركه أبصارنا * وتعالى أن نراه جسدا فهو التسبيح زلفى راكع * سمع الله به من حمدا تدرك الأفكار منه جوهرا * كاد من إجلاله أن يعمدا فهو الكعبة والوجه الذي * وحد الله به من وحدا وهذان السطران من الشعر وإن كان فيه شئ من الغلو ففيه كثير من الحقيقة، و فيه لمعات من التوحيد، نعم، نتوجه بأبداننا في صلواتنا إلى الكعبة، وبأرواحنا إلى النور الذي أشرق وأضاء فيها... (1) وعنه رحمه الله في خطبته يوم ميلاد أمير المؤمنين عليه السلام: (قال الله سبحانه في محكم كتابه: وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء (2).
نعم، في مثل هذا اليوم أو هذه الليلة أشرقت الأرض بنور ربها، وجئ بوارث النبيين وجامع علوم الأولين والآخرين، إمام الشهداء وسيد الصديقين، واحتفالنا بانبثاق هذا النور الإلهي (3) في مثل هذا اليوم ليس كاحتفال الأمم بيوم ولادة ملوكها أو عظمائها وسلاطينها ورجال نهضتها، بل احتفال بالنعمة والآية الكبرى والمثل الأعلى الذي تنزلت الأحدية به من عليا ملكوتها الشامخ، وجبروتها الباذخ، و قدس تجردها إلى عوالم الناسوت وتقمص المادة لتعود المادة روحا، والجسد عقلا، والموت حياة.