وحضريها، ناسخها ومنسوخها، محكمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها لأخبرتكم. فقام إليه رجل يقال له ذعلب - وكان ذرب اللسان بليغا في الخطب، شجاع القلب - فقال: لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة، لأخجلنه اليوم لكم في مسألتي إياه، فقال: يا أمير المؤمنين! هل رأيت ربك؟ قال: ويلك يا ذعلب، لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره، فقال: فكيف رأيته؟ صفه لنا، قال: ويلك، لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الأيمان.
ويلك يا ذعلب، إن ربي لا يوصف بالبعد، ولا بالحركة، ولا بالسكون، ولا بالقيام قيام انتصاب ولا بجيئة ولا بذهاب، لطيف اللطافة، لا يوصف باللطف، عظيم العظمة، لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء، لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة، لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة، لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمحسة، قائل لا باللفظ، هو في الأشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كل شئ فلا يقال: شئ فوقه، وأمام كل شئ فلا يقال: له أمام، داخل في الأشياء لا كشئ في شئ داخل، وخارج منها لا كشئ من شئ خارج.
فخر ذعلب مغشيا عليه، ثم قال: تالله، ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه الأشعث بن قيس، فقال: يا أمير المؤمنين! كيف يؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم كتاب، ولم يبعث إليهم نبي؟ قال: بلى، يا أشعث! قد أنزل الله عليهم كتابا وبعث إليهم رسولا حتى كان لهم ملك سكر ذات ليلة، فدعا بابنته إلى فراشه، فارتكبها، فلما أصبح تسامع به قومه، فاجتمعوا إلى بابه فقالوا: أيها الملك دنست علينا ديننا وأهلكته، فاخرج نطهرك ونقم عليك الحد. فقال لهم: اجتمعوا واسمعوا كلامي، فإن يكن لي مخرج مما ارتكبت وإلا فشأنكم.
فاجتمعوا، فقال لهم: هل علمتم أن الله لم يخلق خلقا أكرم عليه من أبينا آدم و