فهذا كله دليل على ضمان المنافع المستوفاة بلا ريب.
واما المنافع غير المستوفاة فالمحكى عن المشهور أيضا الضمان فيها، وهو الموافق لقاعدة احترام مال المسلم، فمن غصب دارا من غيره ولم يسكنه فقد أتلف منافعه على مالكه، وحرمة هذه المنافع تقتضي تداركها بأجرة مثلها، وكذلك من غصب مركبا أو لباسا أو غير ذلك.
ويدل عليه أيضا سيرة العقلاء، فإنهم لا يشكون في وجوب أجرة المثل على الغاصب للدار وان لم يسكنه، وكذا غيره من اشباهه، وحيث لم يمنع منها الشارع فهو إجازة لهذا البناء المستمر.
بل يمكن القول بدلالة قوله صلى الله عليه وآله " على اليد ما اخذت حتى تؤديه " عليه، فإن المنافع ولو كانت بالقوة يكون اخذها بتبع اخذ العين، وإذا مضى وقتها ولم يستوفها يصدق انه أتلفها فتأمل.
وبالجملة لا ينبغي الشك في ضمان المنافع بكلا قسميها.
إنما الكلام في أنه إذا كان للعين منافع مختلفة تتفاوت بحسب القيمة، مثل السيارة أو المراكب الأخرى، تارة تحمل عليها الأثقال والاحمال، وأخرى يركبها الانسان وقد يكون كرائها في الثاني أكثر من الأول أو بالعكس، فإذا كان هناك سيارة قابلة لكلتا المنفعتين فغصبها غاصب ولم يستوف منافعها، فهل هو ضامن لأكثر الامرين؟
أو لأقلهما؟ أو يكون المالك بالخيار؟
الظاهر هو الأول لأن جميع ما عرفت من الأدلة الدالة على ضمان المنافع غير المستوفاة تدل على أكثر الامرين، لصدق تفويت الأكثر عليه، ولكون الأكثر مأخوذا بتبع العين، ولقاعدة احترام مال المسلم، ومن أمواله منافعه، المفروض ان العين هنا قابل للمنفعة التي هي أكثر.
* * *