المثبت للحكم إن قام دليل على حجيته فهو المتبع في الوجوب وفي الندب، وليس هذا مسامحة، وإن لم يقم دليل على اعتباره فلا يمكن الاعتماد عليه في شئ من الأحكام، لأنه اتباع بما لا يعلم وقول على الله بغير حجة، ولا وجه للاعتماد عليه في الاستحباب دون الوجوب.
وهذا الكلام مؤاخذة على العبارة وغفلة عن مراد الأصحاب، وليس الغرض الاعتماد على ما لا يعتمد عليه، بل الظاهر أن الغرض: أن الدليل لا ينحصر في قسمين: إما أن يكون حجة في المقامين أو لا يكون في المقامين، بل يجوز كون قسم من أقسامه ما يعتمد عليه في الندب والكراهة دون الوجوب والحرمة، لدليل دل على ذلك، بمعنى: قيام حجة عامة دالة - مثلا - على حجية الخبر الضعيف الذي لم يدل على حجيته شئ من أدلة حجية أخبار الآحاد مطلقا في خصوص المندوب والمكروه، وعدم قيام دليل على حجيته فيما عداهما، فالمتبع إذا الدليل.
لا يقال: إنه على هذا لا يسمى تسامحا في دليل المستحب، بل هو أخذ بالحجة، نظير حجية خبر العدل في فروع الدين دون أصوله.
لأنا نقول: تسمية ذلك بالتسامح بملاحظة أمرين:
أحدهما: ملاحظة الوجوب والتحريم، فإنه إذا لم يكن شئ حجة فيهما وصار حجة في الندب ونحوه، فيكون هذا بعد اتحاد طبقة الأحكام الفرعية في أغلب المآخذ بمنزلة المسامحة، ويكون كأنهم اعتمدوا على ما لا ينبغي أن يعتمد عليه في الحكم الفرعي.
وثانيهما: أن الدليل الدال على حجية الدليل الضعيف في المندوب ينبئ عن نوع مسامحة في الباب، فكأن الشارع لم يبن الأمر في الآداب والسنن على المداقة كالأحكام اللازمة، فتدبر.
وبعبارة أخرى: لما كان الأصحاب يتتبعون (1) في العمل بالخبر عن أحوال