فاعلها عوض وثواب، وما كلف به من الأمور الشاقة ظاهرا فقد ارتفعت مشقتها بما وعد لها من الأجر الجميل والثواب الجزيل (1).
وهذا الكلام مؤيد لما ذكرناه، ولكنه محل نظر من وجهين:
أحدهما: أنه لا نسلم ارتفاع الحرج بالجزاء الوافر مطلقا، ولا ريب أمر المولى لعبده بأن لا ينام في الليل أبدا ولا يفطر في النهار كذلك، يعد هذا حرجا وإن جعل في مقابله من الأجر ما لا يعد ولا يحصى.
نعم، لا ننكر أن له أيضا مدخلية في بعض الفروض، فينحل الكلام إلى: أن تكاليف الشرع ليس في الحرج كالمثال المذكور، بل ليس حرجا أصلا، ولو تخيل فيه المشقة الموجبة للضيق يرفعه ملاحظة النعيم الدائم، فإنه رافع لموضوع العسر والحرج بالنسبة إلى هذه التكاليف الثابتة، وهذا كلام جيد.
وثانيهما: أنه ينبغي أن لا يعارض دليل العسر والحرج لشئ (2) إذ كلما ثبت فيقال: لا حرج فيه للثواب، وما لم يثبت فينفي بالحرج، لكنه لا فائدة فيه، إذ المشكوك فيه منفي بالأصل، ولا يحتاج إلى أدلة العسر، أورده المعاصر المحقق في عوائده (3).
وأنت خبير بأنه غير وارد، إذ في موارد العسر والحرج - كما عرفت في الفروع المتقدمة - ما لا ينفع في ارتفاعه الأجر والثواب مع ورود عموم أو قاعدة بإثباته، فإنا ننفي مثله بقاعدة الحرج، فإن أدلة الاجتناب عن النجس في العبادة وفي الأكل والشرب - المنصرفة إلى الواقع - يقضي بالاجتناب عن الشبهة الغير المحصورة، ولا يمكننا أن نقول: مقابلة الأجر والثواب يرفع هذا الحرج الذي في الاجتناب عنه، فننفيه بقاعدة الحرج.
والحاصل: بعد التأمل فيما وجهنا به كلامه في دفع الإيراد الأول يسقط هذا الكلام بعد التأمل التام.