ولازمه: أن التدين بهذا الدين يستلزم جريان الأحكام من الشارع وصدور الأفعال من المكلفين بحيث لا يتحقق فيه ما يعد ضررا.
وما يقال: إن حمل الخبر على هذا المعنى موجب للكذب لوقوع الضرر والضرار، مدفوع بأن هذا لازم لو لم يقيد بقيد (في الإسلام) إذ بدونه يكون المعنى: نفيهما في الخارج مع أنه واقع وهو مستلزم للكذب، لكنه بعد التقييد يرجع النفي إلى أنهما منتفيان في الدين كالعسر والحرج، ولا يلزم من ذلك كذب.
لكن الأشكال وارد على ما ليس فيه قيد (في الإسلام) كما في بعض الأخبار، بل أكثرها، فلا بد: إما من تقييدها بذلك، أو دعوى أن المعلوم من الخارج: أن الشارع يريد بيان صفات الإسلام وكيفية الدين، فينزل كلامه على نفيهما فيه لا مطلقا.
والحق: أن سياق الروايات يرشد إلى إرادة النهي من ذلك، وأن المراد: تحريم الضرر والضرار والمنع عنهما، وذلك: إما بحمل (لا) على معنى النهي، وإما بتقدير كلمة (مشروع) و (مجوز) و (مباح) ونحو ذلك في خبره مع بقائه على نفيه، وعلى التقديرين يفيد المنع والتحريم.
وهذا هو الأنسب بملاحظة كون الشارع في مقام الحكم من حيث هو كذلك، لا في مقام ما يوجد في الدين وما لا يوجد، وإن كان كل من المعنيين مستلزما للاخر، إذ عدم كونه من الدين أيضا معناه: منعه فيه، ومنعه فيه مستلزم لخروجه عنه.
مضافا إلى أن قولنا: (الضرر والضرار غير موجود في الدين) معنى يحتاج تنقيحه إلى تكلفات، فإن الضرر مثلا نقص المال أو ما يوجب نقصه، وذلك ليس من الدين بديهة، إذ الدين عبارة عن الأحكام، لا عن الموضوعات، فيحتاج حينئذ إلى جعل المعنى: أن الحكم الذي فيه ضرر وإضرار ليس من الدين لا أنفسهما (1)