تكليف ونحوه، فلا ريب أنه لا يرتفع إلا منه تعالى أيضا بإعطاء نعمة أو دفع نقمة دنيويتين أو أخرويتين، وهذا مما لا ثمرة فيه مع وضوح حكمه.
وإن كان من نفس المكلف فلا جابر ولا رافع له أيضا، لأنه كلما يحدث ما يجبره فهو مما كان يستحقه بعمله، فيكون شيئا آخر لا جابرا للأول.
وإن كان من غيره من غير النوع الإنساني فهو من الآفة السماوية المحسوبة على الله - تبارك وتعالى - كما جرت عادته بالابتلاء بالبليات بتلف المال وغيره بآفات جرى بها قضاؤه الذي لا راد له.
وإن كان من أفراد النوع الإنساني فلا يخلو الرافع لهذا الضرر من أمور: إما أن يكون نفس المكلف، أو الحق تبارك وتعالى، أو بيت المال، أو نفس من أوجب الضرر، أو غيره من آحاد المكلفين.
أما الأول، فقد عرفت أنه لا يمكن كونه رافعا لضرر نفسه فضلا عن ضرر غيره.
وأما الواجب تعالى، فلا ريب أن دفعه هذا الضرر بأمر ديني أو دنيوي أو أخروي مشكوك لا نعرفه إلا بدليل واضح، والمفروض أنه لا بد من ارتفاع هذا الضرر بمقتضى الأدلة، ورفعه يحتاج إلى أمر قطعي، ومجرد الاحتمال غير كاف فيه، كما قررناه في نفس التكاليف، فإنه لو شككنا في ثبوت تكليف من الله تعالى ندفعه بنفي الضرر، ولا نكتفي بمجرد احتمال كونه مدفوعا بأجرة ومثوبة من الله تعالى حتى يثبت حجة لذلك، فندفعه بالقاعدة، وهنا أولى بذلك، إذ مجرد احتمال اندفاع ما أوصله زيد لعمرو من الضرر بنعمة من الله تبارك وتعالى لا يكفينا في الحكم الشرعي، بل لا بد من طريق مثبت يسكن النفس إليه ويستقر القاعدة به.
وأما مثل قولهم: (لكل كبد حراء أجر) (1) لا دلالة فيه على ذلك، على أن (2)