الماهية وإن وجد (1) في ضمن فرد واحد، وهذا لا ربط له بمقامنا (2) فراجع ما ذكرنا هناك، فإن فيه كفاية، ويجئ له زيادة توضيح عن قريب.
وأما الثالث: فلأنا لا نقول بإرادة المسبب المغائر للأول حتى يلزم ذلك، فقول الشارع: (البول موجب للوضوء) يريد كون البول باعثا لوجوب ماهية الوضوء، سواء وقع البول مجتمعا مع النوم أو منفردا عنه. والنوم أيضا موجب لماهية الوضوء في الحالتين، والتغاير من لوازم الوجود الخارجي للوضوء، لا أن الشارع أراد الماهية لو انفرد السبب والفرد المغائر لو اجتمعا.
وتوضيح ذلك بحيث لا يؤدي إلى إخلال ولا إلى ملال: أن تعلق الأحكام بالطبائع - كما قرر في علم الأصول - لا ينافي التعدد في المقام، إذ معنى قولك:
(اغتسل) ليس إرادة طبيعة الغسل المقررة في ظرف نفس الأمر، لأنها شئ محبوب فيه مصلحة كامنة، وقبل تعلق الخطاب أيضا محبوب كما بعد الخطاب، والمحبوبية هي الداعية إلى الطلب، والطلب لوجودها، لا لذاتها.
وبعبارة أخرى: قولك: (اضرب) طلب لوجود الضرب، لا لنفسه، ومراد الامر من قوله: (اضرب) أريد منك إيجاد الضرب، وهو معنى تعلق الطلب بالماهية، وهو الفارق بين المحبوبية وبين الوجوب.
ولذا نقول: إن الوجوب طلب الفعل والمنع من الترك. والمراد بالفعل إيجاد المأمور به، لا نفس المأمور، لأن الفعل يضاف إليه، فيقال: الصلاة يثاب فاعلها.
والترك إبقاء الشئ على عدمه السابق مع قدرة على إيجاده.
فإذا كان معنى تعلق الطلب بالماهية ذلك، فنقول: قول الشارع: (البول يوجب الوضوء) معناه: أن هذا سبب لوجوب الوضوء، ووجوب الوضوء عبارة عن إرادة الامر وجوده في الخارج حتما.
فإذا تكرر الخطاب والسبب تكرر الوجوب، فيتكرر الوجود وينحل إلى قوله: