أريد وجود الوضوء حتما وأريد وجود الوضوء حتما، ولم يرد من لفظ (الوضوء) إلا الماهية، لكن الطلب للماهية معناه: إرادة وجوده، ووجود الكلي مشخصه في الخارج، وتعدد المشخصات لا ينافي وحدة الكلي الطبيعي.
فكما أن الحكيم على الإطلاق - جل شأنه وعز اسمه - قادر على تشخيص الكلي الواحد بمعنى إيجاده في الخارج ألف مرة، ليكون ألف وجود وألف فرد للانسان - مثلا - جعل هذه القدرة للمكلف بالنسبة إلى أفعاله الاختيارية.
فإذا قال له: (صل) معناه: أريد منك تشخيص هذه الطبيعة وإيجادها، وإذا قال مرة أخرى: (صل) فليس معناه أيضا إلا إرادة التشخيص والإيجاد لتلك الماهية، فإذا صلى المكلف صلاة فقد امتثل الأمر بالتشخيص والإيجاد، وإذا صلى أخرى فكذلك.
وتغائر الشخصين في الخارج لا يوجب إرادة الامر من قوله: (صل) في الثاني فردا من الطبيعة غير ما وجد في الأول، إذ لا نقول بأن المطلوب الفرد، بل نقول: إن المطلوب الماهية، لكن معنى طلبها إرادة إيجادها أي جعلها في ضمن تشخص حتى يتحصل من ذلك فرد، لا إرادة الفرد. وتمام الكلام في علم الأصول.
وبالجملة: لا تفاوت بين قول الامر: (صل) فصلى المكلف مرة، وقوله بعد ذلك: (صل) فصلى أخرى، وبين قوله: (صل، صل) فصلى مرتين للخطابين بالنظر إلى معنى لفظ (صل).
فنقول: لو أمر بعد امتثال الأمر الأول فهل يريد به الطبيعة، أو يريد به الفرد المغائر للأول؟ فإن أراد الطبيعة فتعلق أمرين بالطبيعة مع تعدد الامتثال لا مانع منه، سواء فرضه دفعة أو مع التعاقب.
وإن أريد الفرد المغائر فنقول: تارة يتعاقب السبب الثاني، وتارة لا يتعاقب، فينبغي أن يريد من الأمر الأول: الطبيعة والفرد في استعمال واحد، وهو ما ذكرته من المحذور.