تأسيس القواعد المتداولة على ألسنتهم - كما يمر عليك في العناوين الآتية إن شاء الله تعالى - غالبا مبني على تتبع المقامات الخاصة التي قام بها (1) الدليل والتسري منها إلى غيرها.
بل لا يعد رجل فقيها حتى يعرف مظان الفقه ويتتبع أبوابه، ويطلع على نوع المذهب، ويلاحظ ما لم يرد فيه دليل أو ورد دليل ضعيف، مع ما عرفه من طريق الشرع في مواقع اخر، حتى يكون على بصيرة من أمره.
ولا يكفي في الفقاهة تأسيس مسائل الأصول، والغور في البحث عن الأدلة الخاصة التي وردت في كل مسألة مسألة من تعارض وترجيح، والكلام في الرد والطرح والحقيقة والمجاز وتعارض الأحوال، فإن هذا شئ يناله أول من بلغ إلى حد معرفة الدليل والمدلول وشم رائحة ملكة الاجتهاد في الجملة.
وثانيا نقول: إن الاستقراء إن قلنا بحجيته من باب حجية الظن المطلق، فلا كلام فيه.
وإن قلنا بحجيته لما عرفناه من طريقة أصحابنا من الإلحاق في أمثال هذه الموارد، فلا بحث.
وإن قلنا بحجيته من جهة الأخبار الخاصة التي وردت ودلت على اعتبار الغلبة، فلا كلام أيضا.
وإن قلنا بحجيته من جريان طريقة العقلاء بذلك - كما قلناه في حجية الاستصحاب - وما ورد من الأدلة الأخر مقررة لذلك، فلا بحث أيضا.
وعلى تقدير التنزل عن ذلك كله نقول: لا ينبغي التوحش من لفظ (الاستقراء) ولا بد من ملاحظة المراد منه، فإن كان المراد: مجرد إلحاق الشئ بالأغلب ابتداءا، فذلك مورد البحث.
ولنا أن نقول: إنه داخل في ظنون الألفاظ، بمعنى: أن الشارع إذا خاطب بأدلة