تمسك الأصحاب بأصالة عدم التداخل، إذ لا ريب أن أمثال هذه العبارات اصطلاحات نشأت من الطبقة المتوسطة، وليس ادعاء مصيرهم إلى مقتضاها في جميع الموارد حتى يمنع، بل غرضه أنا نرى فتوى الأصحاب من باب الطهارة إلى باب الديات على عدم التداخل، ومن قال بالتداخل يطالبونه بالدليل، ولا يطالبونه ممن بنى على عدم التداخل.
ثم إن البناء على عدم التداخل أيضا ليس مقصورا على مورد نص خاص، إذ نجد ذلك فيما لم يرد فيه دليل سوى دليل السبب، ونجد أدلة الأسباب غالبا على نسق واحد قابل للتداخل والعدم.
والذي بعد التأمل يظهر أن إجماعهم على عدم التداخل - الذي جعله المورد دليلا خارجيا وقرينة - إنما نشأ من دليل الأسباب، لأنا نراهم لا يستندون في ذلك إلى شئ سوى الدليل الدال على السببية، ولا ينكر ذلك عليهم من خالفهم، بل يدعي رواية أو دليلا آخر على التداخل.
ووجود الأدلة الخاصة في بعض المقامات لا يضر في فهم بنائهم على القاعدة، إذ أغلب القواعد منصوصة في بعض جزئياتها، ومدفوعة بدليل أقوى في بعض مواردها.
ومن لا خبرة له بالفتوى ولا تسلط له على عبائر الأصحاب ولا تتبع له في مقامات الباب كيف يسعه الاقتحام على منع ما ادعاه ذلك النحرير، مع طول ذراعه وسعة باعه!
وما ذكره من الاستشهاد بخروجهم عن ظاهر النص فإنه كاشف عن أن المعتمد ليس الأصل، واضح الفساد، إذ معنى الأصل قاعدة مستنبطة من الظواهر.
ولا بعد في طرح أحد الظواهر لما هو أقوى منه وأمتن. وليس هذا الأصل من الأصول العملية التعليقية التي لا تجري في مورد الدليل، بل إنما مثله مثل قواعد الضمان ونحوه الذي ترك الأصحاب لأجلها نصوصا خاصة في أبواب الفقه