وثالثا نقول: لا يخفى على من راجع وجدانه أن عدم الخفاء في إجزاء المتعدد ليس من جهة الاحتياط، بل لأنه ورد به الأمر وإن كان الواحد قد يكون مسقطا عنه، فإنا لو رجعنا الان إلى عوام المتشرعة المقلدين في تداخل الأغسال وسألنا عنهم في ذلك (1) لأجابوا بأن التعدد من جهة أن الشارع يأمر بكل واحد من الأغسال لكنه جعل الواحد مقام الكل تسهيلا وتفضلا، لا أن تعدد الأوامر لا يقتضي إلا غسلا واحدا حتى يثبت التعدد، فإن هذا كلام من مال بدقة نظره وكثرة غوره عن طريقة العادة والعرف. بل لا أظن أحدا ينكر مطلوبية الكل لو أتى بالتعدد، ويأتي لذلك مزيد توضيح.
والمناقشة في الاتفاق المدعى - بأن أدلة الأسباب مختلفة، وليست محصورة في نوع، فمنها: ما يظهر منه التعدد، ومنها: ما يظهر منه الاتحاد، ومنها: ما لا يظهر منه شئ منهما. ومع ذلك فالأدلة الخاصة من إجماع أو نص على التداخل وعدمه واردة في كثير من الموارد، فإن أريد اتفاق جماعة منهم أو جميعهم على عدم التداخل في بعض الموارد فهو مسلم لكنه لا يفيد، إذ لعله لاقتضاء دليله التعدد أو لورود دليل خارج عليه. وإن أريد اتفاق الكل في جميع الموارد فهو ممنوع، وكلام جميع القدماء خال عن ذكر هذا الأصل وإن عملوا بمقتضاه في بعض الموارد لاجماع أو دليل آخر، وكفى بذلك شاهدا طرحهم النصوص والظواهر ومصيرهم إلى عدم التداخل في بعض الموارد ولو كان منشأه مجرد الأصل لم يقدم على الظواهر (2) - ناشئة (3) عن عدم التأمل في أطراف الكلام وعدم التنبه لدقيقة المقام.
فإن غرض مدعي الإجماع - الذي لم يسمح بمثله الزمان - ليس دعوى