وثانيهما: ما ليس فيه خصوص الاعتياد.
أما الأول: فمنه دلو البئر، ومخرج الأحداث، وتحقق العادة للحيض والنفاس، والمأكول والملبوس في سجود الصلاة، والكيل والوزن في المعاوضات ونحوها، وتوابع متعلقات العقود، كالتوابع للمبيع والعين المستأجرة، ونقود المعاملة والمرض والبول في الفراش والإباق في كونهما (1) عيبا، وفي كون الشئ مكيلا وموزونا في تحقق الربا، ولزوم الاعتياد (2) بذلك في صحة المعاملة وانصراف إطلاق اللفظ إليه، وفيه بحثان:
أحدهما: في أن الاعتياد - بعد اعتباره في معنى اللفظ، أو في لحوق الحكم لانصراف الدليل إليه، أو قيام القرينة عليه - بأي شئ يحصل؟
فنقول: لا بحث في أن العادة ليست لها حقيقة في الشرع غير ما هو معناه لغة وعرفا، لأصالة عدم النقل، ولم يدعه أحد أيضا. وما ورد في باب الحيض من التحديد - كما سنذكره - لا يدل أولا على نقل معنى اللفظ، بل إنما هو تحديد لما يلحقه أحكام العادة من الأقراء وإن لم يطلق عليه اسم العادة حقيقة.
وبعبارة أخرى نقول: إن تحديد الشارع هناك ليس لتحقق معنى اللفظ وصدقه بمجرد حصول ذلك الحد، بل لما كان حكم المعتادة الرجوع إلى عادتها، وكانت العادة أمرا عرفيا لا تنضبط - سيما مع أن المكلف هناك النساء اللاتي ليس لهن إدراك الماهيات الخفية بالرجوع إلى العرف، كيف وقد اضطرب في مثل ذلك أجلة العلماء المتفحصين! وكان التكليف منوطا بأمهات العبادات: من صلاة وصوم وقراءة ودخول مسجد ونظائر ذلك، مضافا إلى حقوق اخر - أراد الشارع إعطاء ضابط في ذلك للتسهيل، على مقتضى ما قررناه في سر التحديدات في الشرع (3).
والحاصل: إن حقيقة الاعتياد كاشفة عن كون ما زاد على العادة حيضا (1) لا