فتدبر في هذا الكلام تحل لك الاشكالات في أغلب المقامات، منها: درهم الدية ودينارها مع التفاوت الفاحش في زماننا، مع أن المعلوم ملاحظة الشارع كل عشرة بواحدة، وتندفع به شبهة المتأخرين في كثير من موارد التحديدات، والله الهادي.
الثاني: أن هذه التحديدات أغلبها بل كلها تحقيق في تقريب أو بالعكس، فإن المراد واحد، والأول أنسب بالتعبير كما يظهر من ملاحظة معانيه.
والمراد: أن هذه الحدود مأخوذة على سبيل التحقيق والمداقة، فلو نقص ما حدد بالزمان مثلا - كما في الأمثلة السابقة - بساعة مثلا - فضلا عن يوم، فضلا عن أيام - لم يتعلق به الحكم اتباعا لظاهر التحديدات المحمولة على الواقعية الحقيقية.
وكذا لو نقص المحدود بالمساحة بإصبع مثلا، فضلا عن شبر، فضلا عن ذراع، فضلا عن ميل.
وكذلك لو نقص المحدود بالوزن بمثقال فضلا عن مد، فضلا عن رطل، فضلا عن صاع.
ومثله لو نقص ما حدد بالعدد بنصف أو ثلث، فضلا عن الواحد التام.
فإن قلت: لم يؤخذ هذا التحديد إلا من ظاهر اللفظ، ولا ريب أن قوله عليه السلام:
(ألف ومائتا رطل) أو (ثمانية فراسخ) أو (عشرون يوما) أو (سبعون دلوا) - ونحو ذلك - يتسامح فيه في العرف بمثل هذه النقائص التي مثلت، فينبغي احتساب الكسور القليلة التي يتسامح فيها العرف تاما، كالساعة من اليوم، واليوم من الشهر (1) والأسبوع بل الشهر من سنة أو سنتين (2) والأصبع من ذراع أو شبر أو أشبار، والذراع والأذرع من الميل، والميل من الفراسخ، والمد من صاع، والواحد من ألف، ونحو ذلك. وأخذ هذه كلها بالدقة والتحقيق لا دليل على ذلك في شئ مما مر بعد فهم العرف واستعمالهم كذلك.