في هذه التحديدات، سيما فيما وردت العلة في ذلك، كمسألة العدة والاستبراء ونظائرهما فتدبر.
ولا ريب أن هذه العلل على ما يتجه في النظر القاصر هو الباعث على هذه الأحكام، ومع ذلك لا نقول بمقالة مثل العلامة في الحريم والكاشاني في الكر ونظائرهما في غيرهما، بل نتعبد بالتحديدات وفاقا للأعيان، نظرا إلى أنا علمنا من الشارع أنه لما رأى أن المكلفين بحسب اختلاف الأمزجة والنفوس يدور أمرهم في الأحكام غالبا بين إفراط وتفريط - والذي يعتدل قواه ويستوي أركانه في ذلك قليل لا تناط الأحكام بمثلهم - جعل الشارع هذه الحدود حسما لمادة التشاجر والتنازع وحفظا للنفوس عن طرفي الوسواس والمسامحة.
فإن الشارع - مثلا - لو أناط حريم البئر بعدم الضرر، فواحد يقول: هذا مضر، والاخر يقول: هذا غير مضر، ويصير التنازع، وواحد يكون محتاطا في دينه لا يمكنه إحداث عمارة من وسوسة نفسه بأن ذلك لعله ضرر.
ولو أناط غسل الوجه بالعرف فأهل الوسواس (1) كانوا يدخلون آذانهم ونصفا من رؤوسهم ومع ذلك لا يطمئنون به، وأهل المسامحة يقتصرون على العينين والأنف والخدين.
فدعت الحكمة إلى أن الشارع يلاحظ أحوال الغالب من الأمزجة والنفوس والأبدان والأراضي، وغير ذلك مما علق عليه الحكم، ويجعل للموضوع حدا محدودا وإن كان السبب النفس الأمري للحكم قد يوجد بأقل منه، وقد لا يوجد بذلك الحد، بل يحتاج إلى الأزيد، لكنه ألغاها الشارع لعدم الانضباط، ولاحظ الغالب وحدده بذلك كي لا يتجاوزه المعتدون ولا يقصر فيه المتسامحون، فصار هذا تعبدا في قاعدة، كما يوجد في أبواب الفقه قاعدة في تعبد صرف تطرد ولا يعلم وجهها، والمقام معلوم الوجه واضح القاعدة، اخذ فيه التعبد بالعرض.