قلت: من الواضح أن الحكم بتقدم ذلك ليس لازما للبناء على هذا بوجه وإن علمنا وقوع العيب قبله.
فإن قلت: لو لم يكن التقدم لازما لهذا فالبناء على التقدم لازم قطعا، فالأذن في البناء على تأخر هذا إذن في البناء على تقدم ذلك، فكل حكم ترتب على التأخر أو على التقدم أو [على] (1) المجموع المركب يترتب على ذلك.
قلت: ليس كذلك، إذ جعل الشارع شيئا مشكوكا في موضع اليقين ينصرف إلى ترتب أحكامه على نفسه، لا كون جميع الأوضاع والمقادير الخارجية - أيضا - لازما له، فإن التقدم والتأخر وسائر الأوضاع الوجودية لا يبتنى على فرض الموضوع، وليس معنى قول الشارع: (افرض هذا الشئ كذا) إلا أن أحكامه جارية عليه، لا أن الأوضاع التي لو وجد في الخارج لترتبت عليه افرضها موجودة، ولو لحق ذلك الوضع - أيضا - حكم فاحكم بذلك أيضا، مثلا: إذا علم وقوع زيد في أرض كان بحرا سابقا، وكل من وقع عليه (2) مات، ونشك الان في بقاء البحر وعدمه، فالأصل بقاءه، يعني فرضه باقيا في أحكامه، ويلزم من ذلك فرض زيد ميتا، لأنه لازم وجود البحر، فيكون الأحكام تترتب عليه من إرث ونحوه، وهو خلاف البداهة.
لا يقال: إن الأصل هنا معارض ببقاء زيد، لأن غرضنا التمثيل للإرشاد إلى المدعى، وإلا فنفرض أحدا نذر أنه إذا وقع زيد في البحر الفلاني أن يتصدق بدرهم، فإذا وصل زيد إلى ذلك المكان يقينا نشك (3) في بقاء البحر وعدمه، فالأصل بقاء البحر، فيكون زيد واقعا فيه، فيلزم التصدق. ولا يعارضه أصالة عدم وقوعه في البحر، لأنه يدفعه أصالة عدم وقوعه في البر، وهو واقع في أحدهما لا محالة