والحاصل: أن فرض شئ موجودا في لسان الشرع معناه: ترتب أحكامه عليه، لا لحوق الأوضاع الخارجية وأحكام الأوضاع، بل ذلك يحتاج إلى دليل آخر، وذلك واضح، مضافا إلى أن البناء على التأخر مستلزم للأحكام، إذ هو معناه، ودليل الخيار قال: إنه لو تقدم العيب ففيه خيار، وهو ينصرف إلى الواقع، ولا يلزم من لزوم البناء عليه من البناء على التأخر لحوق الحكم المنوط بالواقع عليه، لكون اللزوم من قبيل المهملات، بخلاف ما لو دل دليل ابتداء على جعله بمنزلة المتقدم.
فإن قلت: إن التأخر والتقدم ليسا أمرين مختلفين متلازمين حتى تقول: إن فرض أحدهما شرعا لا يستلزم فرض الاخر، بل هما شئ واحد، لأن تأخر البيع عبارة عن هذا الوضع الحادث من الوجوديين الكذائيين، وهو بعينه معنى تقدم العيب، ومعناهما الخارجي شئ واحد يختلف تسميته (1) باختلاف منتسبيه كقولك: (أب زيد وابن عمرو) وكلاهما يراد به بكر، فإذا قال الشارع: (افرض أب زيد موجودا) فمعناه فرض وجود ابن عمرو، وذلك واضح.
قلت: لنا عن ذلك جوابان:
أحدهما: أن الحكم تابع للعنوان، وعنوان (أب زيد) غير عنوان (ابن عمرو) فلو فرضنا أن وجود أب زيد وابن عمرو يترتب عليه حكمان: أحدهما: من حيث الأبوة - وهو كون زيد مثلا واجب النفقة عليه غير يتيم ولا فقير، وكون أمواله مالا له، وكذا زوجته - وثانيهما: من حيث البنوة لعمرو - وهو كون ميراث عمرو بينه وبين إخوته - فإذا قال الشارع: (افرض وجود ابن عمرو) معناه: الشركة في الميراث، وإذا قال: (افرض وجود أب زيد) معناه: عدم كونه يتيما، ودليل ذلك العرف. فقول الشارع: (الأصل تأخر البيع) يقتضي أحكام التأخر، لا أحكام تقدم العيب، وإن كان الأمران في الواقع شيئا واحدا، وهو الوضع المعهود، مع أن كونهما في الواقع شيئا واحدا ممنوع، وبيان ذلك ليس هنا محله.