أن يخد لهم أخدود بين باب المسجد والقصر وأمر بالحطب أن يطرح في الأخدود ويضرم بالنار ثم قال لهم: إني طارحكم فيها أو ترجعوا، فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم حتى إذا احترقوا قال : إني إذا رأيت أمرا منكرا * أوقدت ناري ودعوت قنبرا قال الحافظ: إن إسناد هذا صحيح. وزعم أبو مظفر الأسفراييني في الملل والنحل أن الذين أحرقهم علي رضي الله عنه طائفة من الروافض ادعوا فيه الإلهية وهم السبئية وكان كبيرهم عبد الله بن سبأ يهوديا ثم أظهر الاسلام وابتدع هذه المقالة.
وأما ما رواه ابن أبي شيبة أنهم أناس كانوا يعبدون الأصنام في السر فسنده منقطع ، فإن ثبت حمل على قصة أخرى. وقد ذهب الشافعي إلى أنه يستتاب الزنديق كما يستتاب غيره. وعن أحمد وأبي حنيفة روايتان: إحداهما لا يستتاب، والأخرى إن تكرر منه لم تقبل توبته وهو قول الليث وإسحاق. وحكي عن أبي إسحاق المروزي من أئمة الشافعية، قال الحافظ: ولا يثبت عنه بل قيل إنه تحريف من إسحاق بن راهويه والأول هو المشهور عن المالكية. وحكي عن مالك أنه إن جاء تائبا قبل وإلا فلا، وبه قال أبو يوسف، واختاره أبو إسحاق الأسفراييني وأبو منصور البغدادي، وعن جماعة من الشافعية إن كان داعية لم يقبل وإلا قبل. وحكي في البحر عن العترة وأبي حنيفة والشافعي ومحمد أنها تقبل توبة الزنديق لعموم أن ينتهوا. وعن مالك وأبي يوسف والجصاص لا تقبل إذ يعرف منهم التظهر تقية بخلاف ما ينطقون به. قال المهدي: فيرتفع الخلاف حينئذ فيرجع إلى القرائن لكن الأقرب العمل بالظاهر وإن التبس الباطن لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لمن يستأذنه في قتل منافق: أليس يشهد أن لا إله إلا الله الخبر ونحوه اه. قال في الفتح: واستدل من منع من قبول توبة الزنديق بقوله تعالى : * (إلا الذين تابوا وأصلحوا) * (البقرة: 160) فقال الزنديق لا يطلع على إصلاحه لأن الفساد إنما أتى مما أسره، فإذا أطلع عليه وأظهر الاقلاع عنه لم يرد على ما كان عليه، ولقوله تعالى: * (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم) * (النساء: 37) وأجيب بأن المراد من مات منهم على ذلك كما فسره ابن عباس أخرجه عنه ابن أبي حاتم وغيره. واستدل لمن قال بالقبول بقوله تعالى: * (اتخذوا أيمانهم جنة) * (المجادلة: 16) فدل على أن إظهار الايمان يحصن من القتل، قال الحافظ: وكلهم أجمعوا على أن أحكام الدنيا