الفرس على الفارس مجاز مشهور، ومنه قولهم: يا خيل الله اركبي كما ورد في الحديث.
ولا بد من المصير إلى تأويل حديث مجمع وما ورد في معناه لمعارضته للأحاديث الصحيحة الثابتة عن جماعة من الصحابة في الصحيحين وغيرهما كما تقدم. وقد تمسك أبو حنيفة وأكثر العترة بحديث مجمع المذكور وما ورد في معناه فجعلوا للفارس وفرسه سهمين، وقد حكي ذلك عن علي وعمر وأبي موسى. وذهب الجمهور إلى أنه يعطي الفرس سهمين والفارس سهما والراجل سهما. قال الحافظ في الفتح: والثابت عن عمر وعلي كالجمهور. وحكي في البحر عن علي وعمر والحسن البصري وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز وزيد بن علي والباقر والناصر والامام يحيى ومالك والشافعي والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد وأهل المدينة وأهل الشام أنه يعطي الفارس وفرسه ثلاثة سهام واحتج لهم ببعض أحاديث الباب، ثم أجاب عن ذلك فقال قلت: يحتمل أن الثالث في بعض الحالات تنفيل جمعا بين الاخبار انتهى. ولا يخفى ما في هذا الاحتمال من التعسف، وقد أمكن الجمع بين أحاديث الباب بما أسلفنا، وهو جمع نير دلت عليه الأدلة التي قدمناها، وقد تقرر في الأصول أن التأويل في جانب المرجوح من الأدلة لا الراجح، والأدلة القاضية بأن للفارس وفرسه سهمين مرجوحة لا يشك في ذلك من له أدنى إلمام بعلم السنة. وقد نقل عن أبي حنيفة أنه احتج لما ذهب إليه بأنه يكره أن تفضل البهيمة على المسلم، وهذه حجة ضعيفة وشبهة ساقطة، ونصبها في مقابلة السنة الصحيحة المشهورة مما لا يليق بعالم.
وأيضا السهام في الحقيقة كلها للرجل لا للبهيمة. وأيضا قد فضلت الحنفية الدابة على الانسان في بعض الأحكام فقالوا: لو قتل كلب صيد قيمته أكثر من عشرة آلاف أداها، فإن قتل عبدا مسلما لم يؤد فيه إلا دون عشرة آلاف درهم. وقد استدل للجمهور في مقابلة هذه الشبهة بأن الفرس تحتاج إلى مؤنة لخدمتها وعلفها، وبأنه يحصل بها من الغناء في الحرب ما لا يخفى. وقد اختلف فيمن حضر الوقعة بفرسين فصاعدا هل يسهم لكل فرس أم لفرس واحدة؟ فروي عن سليمان بن موسى أنه يسهم لكل فرس سهمان بالغا ما بلغت. قال القرطبي في المفهم: ولم يقل أحد أنه يسهم لأكثر من فرسين إلا ما روي عن سليمان بن موسى. وحكي في البحر عن الشافعية والحنفية والهادوية أن من حضر بفرسين أو أكثر أسهم