عليه وآله وسلم إلا بإنذار كما جاء في هذه الأحاديث، فإذا أنذرها ولم تنصرف قتلها. وأما حياة غير المدينة في جميع الأرض والبيوت والدور فيندب قتلها من غير إنذار لعموم الأحاديث الصحيحة في الامر بقتلها، ففي الصحيح بلفظ: اقتلوا الحيات ومن ذلك حديث الخمس الفواسق المذكورة في أول الباب. وفي حديث الحية الخارجة بمنى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتلها ولم يذكر إنذارا ولا نقل أنهم أنذروها، فأخذ بهذه الأحاديث في استحباب قتل الحيات مطلقا، وخصت المدينة بالانذار للحديث الوارد فيها، وسببه ما صرح به في صحيح مسلم وغيره أنه أسلم طائفة من الجن بها، وذهبت طائفة من العلماء إلى عموم النهي في حياة البيوت بكل بلد حتى تنذر. وأما ما ليس في البيوت فيقتل من غير إنذار، قال مالك: يقتل ما وجد منها في المساجد. قال القاضي وقال بعض العلماء: الامر بقتل الحيات مطلقا مخصوص بالنهي عن حياة البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين فإنه يقتل على كل حال، سواء كان في البيوت أم غيرها، وإلا ما ظهر منها بعد الانذار. قالوا: ويخص من النهي عن قتل حياة البيوت الأبتر وذو الطفيتين اه. وهذا هو الذي يقتضيه العمل الأصولي في مثل أحاديث الباب فالمصير إليه أرجح. وأما صفة الاستئذان فقال القاضي: روى ابن حبيب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه يقول: أنشدكن بالعهد الذي أخذ عليكن سليمان بن داود أن تؤذننا وأن تظهرن لنا وقال مالك: يكفيه أن يقول:
أحرج عليك بالله واليوم الآخر أن تبدو لنا ولا تؤذننا، ولعل مالكا أخذ لفظ التحريج من لفظ الحديث المذكور. وتبويب المصنف في هذا الباب فيه إشارة إلى أن الامر بالقتل والنهي عنه من أصول التحريم. قال المهدي في البحر: أصول التحريم إما نص الكتاب أو السنة أو الامر بقتله كالخمسة وما ضر من غيرها فمقيس عليها، أو النهي عن قتله كالهدهد والخطاف والنحلة والنملة والصرد، أو استخباث العرب إياه كالخنفساء والضفدع والعظاية والوزغ والحرباء والجعلان وكالذباب والبعوض والزنبور والقمل والكتان والنامس والبق والبرغوث لقوله تعالى: * (يحزم عليهم الخبائث) * (الأعراف: 157) وهي مستخبثة عندهم، والقرآن نزل بلغتهم، فكان استخباثهم طريق تحريم، فإن استخبثه البعض اعتبر الأكثر، والعبرة باستطابة أهل السعة لا ذوي الفاقة اه. والحاصل أن الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة المذكورة في