يصبغ ثيابه بالصفرة، ويمكن الجمع بأن الصفرة التي كان يصبغ بها رسول الله (ص) غير صفرة العصفر المنهي عنه. ويؤيد ذلك ما سيأتي في باب لبس الأبيض والأسود من حديث ابن عمر: أن النبي (ص) كان يصبغ بالزعفران وقد أجاب من لم يقل بالتحريم عن حديث ابن عمرو المذكور في الباب وحديثه الذي بعده بأنه لا يلزم من نهيه له نهي سائر الأمة، وكذلك أجاب عن حديث علي الآتي بأن ظاهر قوله نهاني أن ذلك مختص به، ولهذا ثبت في رواية عنه أنه قال: ولا أقول نهاكم، وهذا الجواب ينبني على الخلاف المشهور بين أهل الأصول في حكمه (ص) على الواحد من الأمة، هل يكون حكما على بقيتهم أو لا؟ والحق الأول فيكون نهيه لعلي وعبد الله نهيا لجميع الأمة، ولا يعارضه صبغه بالصفرة على تسليم أنها من العصفر، لما تقرر في الأصول من أن فعله الخالي عن دليل التأسي الخاص لا يعارض قوله الخاص بأمته، فالراجح تحريم الثياب المعصفرة والعصفر وإن كان يصبغ صبغا أحمر كما قال ابن القيم، فلا معارضة بينه وبين ما ثبت في الصحيحين من أنه (ص) كان يلبس حلة حمراء كما يأتي، لأن النهي في هذه الأحاديث يتوجه إلى نوع خاص من الحمرة وهي الحمرة الحاصلة عن صباغ العصفر، وسيأتي ما حكاه الترمذي عن أهل الحديث بمعنى هذا.
وقد قال البيهقي رادا لقول الشافعي أنه لم يحك أحد عن النبي (ص) النهي عن الصفرة إلا ما قال علي: نهاني، ولا أقول نهاكم أن الأحاديث تدل على أن النهي على العموم، ثم ذكر أحاديث ثم قال بعد ذلك: ولو بلغت هذه الأحاديث الشافعي رحمه الله لقال بها، ثم ذكر بإسناده ما صح عن الشافعي أنه قال: إذا صح الحديث خلاف قولي فاعملوا بالحديث.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: أقبلنا مع رسول الله (ص) من ثنية فالتفت إلي وعلي ريطة مضرجة بالعصفر فقال: ما هذه؟ فعرفت ما كره، فأتيت أهلي وهم يسجرون تنورهم فقذفتها فيه ثم أتيته من الغد فقال: يا عبد الله ما فعلت الربطة؟ فأخبرته فقال: ألا كسوتها بعض أهلك؟ رواه أحمد وكذلك أبو داود وابن ماجة وزاد: فإنه لا بأس بذلك للنساء.
الحديث في إسناده عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفيه مقال مشهور ومن دونه ثقات. قوله: من ثنية هي الطريقة في الجبل، وفي لفظ ابن ماجة: من ثنية أذاخر