والحديث يدل على حل لبس الثوب المشوب بالحرير، وقد اختلف الناس في ذلك. قال في البحر مسألة ويحل المغلوب بالقطن وغيره ويحرم الغالب إجماعا فيهما اه.
وكلا الاجماعين ممنوع، أما الأول فقد نقل الحافظ في الفتح عن العلامة ابن دقيق العيد أنه إنما يجوز من المخلوط ما كان مجموع الحرير فيه أربع أصابع لو كانت منفردة بالنسبة إلى جميع الثوب. وأما الثاني فقد تقدم الخلاف عن ابن علية في الحرير الخالص، ونقله القاضي عياض عن قوم كما عرفت. وقد ذهب الامامية إلى أنه لا يحرم إلا ما كان حريرا خالصا لم يخالطه ما يخرجه عن ذلك كما روى ذلك الريمي عنهم. وقال الهادي في الاحكام والمؤيد بالله وأبو طالب أنه يحرم من المخلوط ما كان الحرير غالبا فيه أو مساويا تغليبا لجانب الحظر، ولا دليل على تحليل المشوب إلا حديث ابن عباس هذا وهو غير صالح للاحتجاج من وجهين: الأول الضعف في إسناده كما عرفت. الثاني أنه أخبر بما بلغه من قصر النهي على المصمت وغيره أخبر بما هو أعم من ذلك، كما تقدم في حلة السيراء من غضبه (ص) لما رأى عليا لابسا لها. والقول بأن حلة السيراء هي الحرير الخالص كما قال البعض ممنوع، والسند ما أسلفناه عن أئمة اللغة، بل أخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة والدورقي والبيهقي حديث على السابق في السيراء بلفظ:
قال علي أهدى إلي رسول الله (ص) حلة سيراء وإما سداها حرير وإما لحمتها فأرسل بها إلي فأتيته فقلت: ما أصنع بها ألبسها؟ قال: لا إني لا أرضى لك ما أكره لنفسي شققها خمرا لفلانة وفلانة فشققتها أربعة أخمرة وسيأتي الحديث. وهذا صريح بأن تلك السيراء مخلوطة لا حرير خالص. ومن ذلك حديث أبي ريحانة عند أبي داود والنسائي وابن ماجة وفيه النهي عن عشر. منها أن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريرا مثل الأعاجم، وأن يجعل على منكبه حريرا مثل الأعاجم، وقد عرفت مما سلف الأحاديث الواردة في تحريم الحرير بدون تقييد، فالظاهر منها تحريم ماهية الحرير سواء وجدت منفردة أو مختلطة بغيرها، ولا يخرج عن التحريم إلا ما استثناه الشارع من مقدار الأربع الأصابع من الحرير الخالص، وسواء وجد ذلك المقدار مجتمعا كما في القطعة الخالصة أو مفرقا كما في الثوب المشوب. وحديث ابن عباس لا يصلح لتخصيص تلك العمومات ولا لتقييد تلك الاطلاقات لما عرفت، ولا متمسك للجمهور القائلين بحل المشوب إذا كان الحرير مغلوبا إلا قول ابن عباس فيما أعلم، فانظر أيها المنصف هل