ابن مسعود على حالة الصلاة في المسجد، لأن حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت من جهة يساره، ويحمل حديث أنس على ما سوى ذلك كحال السفر، ثم إذا تعارض اعتقاد ابن مسعود وأنس رجح ابن مسعود، لأنه أعلم وأسن وأجمل وأكثر ملازمة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأقرب إلى مواقفه في الصلاة من أنس. وبأن في إسناد حديث أنس من تكلم فيه وهو السدي. وبأن حديث ابن مسعود متفق عليه. وبأن رواية ابن مسعود توافق ظاهر الحال لأن حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت على جهة يساره كما تقدم.
قال: ثم ظهر لي أنه يمكن الجمع بين الحديثين بوجه آخر وهو أن من قال: كان أكثر انصرافه عن يساره نظر إلى هيئته في حالة الصلاة، ومن قال: كان أكثر انصرافه عن يمينه نظر إلى هيئته في حال استقباله القوم بعد سلامه من الصلاة، فعلى هذا لا يختص الانصراف بجهة معينة، ومن ثم قال العلماء: يستحب الانصراف إلى جهة حاجته، لكن قالوا: إذا استوت الجهتان في حقه فاليمين أفضل لعموم الأحاديث المصرحة بفضل التيامن. قال ابن المنير فيه: إن المندوبات قد تنقلب مكروهات إذا رفعت عن رتبتها، لان التيامن مستحب في كل شئ، لكن لما خشي ابن مسعود أن يعتقدوا وجوبه أشار إلى كراهته. قال الترمذي بعد أن ساق حديث هلب وعليه العمل عند أهل العلم قال:
ويروى عن علي أنه قال: إن كانت حاجته عن يمينه أخذ عن يمينه، وإن كانت حاجته عن يساره أخذ عن يساره.
باب لبث الامام بالرجال قليلا ليخرج من صلى معه من النساء عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه وهو يمكث في مكانه يسيرا قبل أن يقوم قالت: فنرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال رواه أحمد والبخاري.
الحديث فيه أنه يستحب للامام مراعاة أحوال المأمومين والاحتياط في الاجتناب ما قد يفضي إلى المحذور، واجتناب مواقع التهم، وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلا عن البيوت، ومقتضى التعليل المذكور أن المأمومين إذا كانوا رجالا فقط لا يستحب هذا المكث، وعليه حمل ابن قدامة حديث عائشة: أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا