الحديث قد تقدم شرح ألفاظه في الباب الأول، وساقه المصنف ههنا للاستدلال به على مشروعية قيام الامام من موضعه الذي صلى فيه بعد سلامه، وقد ذهب بعض المالكية إلى كراهة المقام للامام في مكان صلاته بعد السلام. ويؤيد ذلك ما أخرجه عبد الرزاق من حديث أنس قال: صليت وراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان ساعة يسلم يقوم، ثم صليت وراء أبي بكر فكان إذا سلم وثب فكأنما يقوم عن رضفة ويؤيده أيضا ما سيأتي في باب لبث الامام أنه كان يمكث صلى الله عليه وآله وسلم في مكانه يسيرا قبل أن يقوم لكي ينصرف النساء، فإنه يشعر بأن الاسراع بالقيام هو الأصل والمشروع، وقد عورض هذا بما تقدم من الأحاديث الدالة على استحباب الذكر بعد الصلاة، وأنت خبير بأنه لا ملازمة بين مشروعية الذكر بعد الصلاة والقعود في المكان الذي صلى المصلي تلك الصلاة فيه، لأن الامتثال يحصل بفعله بعدها، سواء كان ماشيا أو قاعدا في محل آخر، نعم ما ورد مقيدا نحو قوله: وهو ثان رجليه.
وقوله: قبل أن ينصرف كان معارضا، ويمكن الجمع بحمل مشروعية الاسراع على الغالب، كما يشعر به لفظ كان أو على، ما عدا ما ورد مقيدا بذلك من الصلوات، أو على أن اللبث مقدار الاتيان بالذكر المقيد لا ينافي الاسراع، فإن اللبث مقدار ما ينصرف النساء ربما اتسع لأكثر من ذلك.
وعن سمرة قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه رواه البخاري. وعن البراء بن عازب قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه فيقبل علينا بوجهه رواه مسلم وأبو داود.
الحديث الا وذكره البخاري في الصلاة بهذا اللفظ، وذكره في الجنائز مطولا، وهو يدل على مشروعية استقبال الامام للمؤتمن بعد الفراغ من الصلاة والمواظبة على ذلك، لما يشعر به لفظ كان كما تقرر في الأصول. قال النووي: المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين أن لفظة كان لا يلزمها الدوام ولا التكرار، وإنما هي فعل ماض تدل على وقوعه مرة انتهى. قيل: والحكمة في استقبال المؤتمين أن يعلمهم ما يحتاجون إليه، وعلى هذا يختص بمن كان في مثل حاله صلى الله عليه وآله وسلم من الصلاحية للتعليم والموعظة. وقيل: الحكمة أن يعرف الداخل انقضاء الصلاة إذ لو استمر الامام