الناسي، بل صرح بأن المانع من وجوب القضاء على العامد أنه لا يسقط الاثم عنه فلا فائدة فيه، فيكون إثباته مع عدم النص عبثا، بخلاف الناسي والنائم فقد أمرهما الشارع بذلك، وصرح بأن القضاء كفارة لهما لا كفارة لهما سواه، ومن جملة حججهم أن قوله في الحديث:
لا كفارة لها إلا ذلك يدل على أن العامد مراد بالحديث لأن النائم والناسي لا إثم عليهما، قالوا:
فالمراد بالناسي التارك سواء كان عن ذهول أم لا. ومنه قوله تعالى: * (نسوا الله فنسيهم) * (التوبة: 67) وقوله تعالى: * (نسوا الله فأنساهم أنفسهم) * (الحشر: 19) ولا يخفى عليك أن هذا الكلام يستلزم عدم وجوب القضاء على الناسي والنائم لعدم الاثم الذي جعلوا الكفارة منوطة به، والأحاديث الصحيحة قد صرحت بوجوب ذلك عليهما، وقد استضعف الحافظ في الفتح هذا الاستدلال، وقال: الكفارة قد تكون عن الخطأ كما تكون عن العمد، على أنه قد قيل: إن المراد بالكفارة هي الاتيان بها تنبيها على أنه لا يكفي مجرد التوبة والاستغفار من دون فعل لها. وقد أنصف ابن دقيق العيد فرد جميع ما تشبثوا به، والمحتاج إلى إمعان النظر ما ذكرنا لك سابقا من عموم حديث: فدين الله أحق أن يقضى لا سيما على قول من قال: إن وجوب القضاء بدليل هو الخطاب الأول الدال على وجوب الأداء، فليس عنده في وجوب القضاء على العامد فيما نحن بصدده تردد لأنه يقول: المتعمد للترك قد خوطب بالصلاة ووجب عليه تأديتها فصارت دينا عليه، والدين لا يسقط إلا بأدائه، إذا عرفت هذا علمت أن المقام من المضايق. وأن قول النووي في شرح مسلم بعد حكاية قول من قال: لا يجب القضاء على العامد أنه خطأ من قائله وجهالة من الافراط المذموم.
وكذلك قول المقبلي في المنار: إن باب القضاء ركب على غير أساس ليس فيه كتاب ولا سنة إلى آخر كلامه من التفريط. قوله: لا كفارة لها إلا ذلك استدل بالحصر الواقع في هذه العبارة على الاكتفاء بفعل الصلاة عند ذكرها، وعدم وجوب إعادتها عند حضور وقتها من اليوم الثاني، وسيأتي الكلام على ذلك عند الكلام على حديث عمران بن حصين من آخر هذا الباب. والامر بفعلها عند الذكر يدل على وجوب المبادرة بها، فيكون حجة لمذهب من قال بوجوبه على الفور وهو الهادي والمؤيد بالله والناصر وأبو حنيفة وأبو يوسف والمزني والكرخي. وقال القاسم ومالك والشافعي وروي عن المؤيد بالله أنه على التراخي، واستدلوا في قضاء الصلاة بما في بعض روايات حديث نوم الوادي من أنه لما استيقظ النبي (ص) بعد فوات الصلاة بالنوم