يصلح جعله جسرا تذاد عنه الأحاديث الواردة في تحريم مطلق الحرير ومقيده؟ وهل ينبغي التعويل عليه في مثل هذا الأصل العظيم مع ما في إسناده من الضعف الذي يوجب سقوط الاستدلال به على فرض تجرده عن المعارضات؟ فرحم الله ابن دقيق العيد فلقد حفظ الله به في هذه المسألة أمة نبيه عن الاجماع على الخطأ، ويمكن أن يقال:
إن خصيفا المذكور في إسناد الحديث قد وثقه من تقدم واعتضد الحديث بوروده من وجهين آخرين: أحدهما صحيح والآخر حسن كما سلف، فانتهض الحديث للاحتجاج به. (فإن قلت): قد صرح الحافظ ابن حجر أن عهدة الجمهور في جواز لبس ما خالطه الحرير إذا كان غير الحرير أغلب ما وقع في تفسير الحلة السيراء. (قلت): ليس في أحاديث الحلة السيراء ما يدل على أنها حلال بل جميعها قاضية بالمنع منها كما في حديث عمر وعلي وغيرهما مما سلف، فإن فسرت بالثياب المخلوطة بالحرير كما قال جمهور أهل اللغة كانت حجة على الجمهور لا لهم، وإن فسرت بأنها الحرير الخالص فأي دليل فيها على جواز لبس المخلوط، وهكذا إن فسرت بسائر التفاسير المتقدمة. (والحاصل) أنه لم يأت المدعون للحل بشئ تركن النفس إليه، وغاية ما جادلوا به أنه قول الجمهور وهذا أمر هين والحق لا يعرف بالرجال. وأما دعوى الاجماع التي ذكرها صاحب البحر فما هي بأول دعاويه، على أن الراجح عند من أطلق نفسه عن وثاق العصبية الوبية عدم حجية الاجماع إن سلم إمكانه ووقوعه ونقله والعلم به وإن كان الحق منع الكل. وأحسن ما يستدل به على الجواز حديث عبد الله بن سعد المتقدم في لبس عمامة الخز لما في النهاية من أن الخز الذي كان على عهده (ص) مخلوط من صوف وحرير. وقال في المشارق: إن الخز ما خلط من الحرير والوبر كما تقدم، لولا أنه يمنع من صلاحيته للاحتجاج به على المطلوب ما أسلفناه في شرحه، على أن النزاع في مسمى الخز بمجرده مانع مستقل.
وعن علي عليه السلام قال: أهدي لرسول الله (ص) حلة مكفوفة بحرير إما سداها وإما لحمتها فأرسل بها إلي فأتيته فقلت: يا رسول الله ما أصنع بها ألبسها؟ قال: لا ولكن اجعلها خمرا بين الفواطم.
الحديث في إسناده يزيد بن أبي زياد وفيه مقال معروف، وأما هبيرة بن يريم الراوي له عن علي فقد وثقه ابن حبان، وقد أخرجه أيضا ابن أبي شيبة والبيهقي والدورقي. قوله: بين الفواطم قد تقدم ذكر أسمائهن في شرح حديث علي