الحديث يدل على منع الصلاة إلى القبور، وقد تقدم الكلام في ذلك وعلى منع الجلوس عليها، وظاهر النهي التحريم. وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير من أن يجلس على قبر أخيه وروي عن مالك أنه لا يكره القعود عليها ونحوه قال: إنما النهي عن القعود لقضاء الحاجة.
وفي الموطأ عن علي أنه كان يتوسد القبور ويضطجع عليها. وفي البخاري أن يزيد بن ثابت أخا يزيد بن ثابت كان يجلس على القبور وقال: إنما كره ذلك لمن أحدث عليها، وفيه عن ابن عمر أنه كان يجلس على القبور، وقد صحت الأحاديث القاضية بالمنع، ولا حجة في قول أحد لا سيما إذا كان معارضا للثابت عنه صلى الله عليه وآله وسلم. وقد أخرج أبو داود والترمذي وصححه، وابن ماجة وابن حبان والحاكم من حديث جابر بلفظ:
نهى أن يجصص القبر ويبنى عليه وأن يكتب عليه وأن يوطأ وهو في صحيح مسلم بدون الكتابة. وقال الحاكم: الكتابة على شرط مسلم، والجلوس لا يكون غالبا إلا مع الوطئ.
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا رواه الجماعة إلا ابن ماجة.
قوله: من صلاتكم قال القرطبي: من للتبعيض والمراد النوافل بدليل ما رواه مسلم من حديث جابر مرفوعا: إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته وقد حكى القاضي عياض عن بعضهم أن معناه: اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وغيرهن. قال الحافظ: وهذا وإن كان محتملا لكن الأول هو الراجح، وقد بالغ الشيخ محيي الدين فقال:
لا يجوز حمله على الفريضة. قوله: ولا تتخذوها قبورا لأن القبور ليست بمحل للعبادة، وقد استنبط البخاري من هذا الحديث كراهية الصلاة في المقابر، ونازعه الإسماعيلي فقال:
الحديث دال على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر، وتعقب بأن الحديث قد ورد بلفظ المقابر كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ: ولا تجعلوا بيوتكم مقابر وقال ابن التين:
تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقابر، وتأوله جماعة على أنه إنما فيه الندب إلى الصلاة في البيوت إذ الموتى لا يصلون في بيوتهم وهي القبور، قال: فأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك. قال الحافظ: إن أراد لا يؤخذ بطريق المنطوق فمسلم، وإن أراد نفي ذلك مطلقا فلا. وقيل: يحتمل أن المراد لا تجعلوا