المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن السبع كلها متواترة، أي كل حرف مما يروى عنهم، قالوا: والقطع بأنها منزلة من عند الله واجب ونحن نقول بهذا القول، ولكن فيما أجمعت على نقله عنهم الطرق واتفقت عليه الفرق من غير نكير فلا أقل من اشتراط ذلك، إذ لم يتفق التواتر في بعضها اه. إذا تقرر لك إجماع أئمة السلف والخلف على عدم تواتر كل حرف من حروف القراءات السبع، وعلى أنه لا فرق بينها وبين غيرها إذا وافق وجها عربيا وصح إسناده، ووافق الرسم ولو احتمالا بما نقلناه عن أئمة القراء، تبين لك صحة القراءة في الصلاة بكل قراءة متصفة بتلك الصفة، سواء كانت من قراءة الصحابة المذكورين في الحديث أو من قراءة غيرهم، وقد خالف هؤلاء الأئمة النويري المالكي في شرح الطيبة فقال عند شرح قول الجزري فيها:
فكل ما وافق وجه نحوي * وكان للرسم احتمالا يحوي وصح إسنادا هو القرآن * فهذه الثلاثة الأركان وكل ما خالف وجها أثبت * شذوذه لو أنه في السبعة ما لفظه ظاهره أن القرآن يكتفي في ثبوته مع الشرطين المتقدمين بصحة السند فقط ولا يحتاج إلى التواتر، وهذا قول حادث مخالف لاجماع الفقهاء والمحدثين وغيرهم من الأصوليين والمفسرين اه. وأنت تعلم أن نقل مثل الامام الجزري وغيره من أئمة القراءة لا يعارضه نقل النويري لما يخالفه، لأنا إن رجعنا إلى الترجيح بالكثرة أو الخبرة بالفن أو غيرهما من المرجحات قطعنا بأن نقل أولئك الأئمة أرجح، وقد وافقهم عليه كثير من أكابر الأئمة، حتى أن الشيخ زكريا بن محمد الأنصاري لم يحك في غاية الوصول إلى شرح لب الأصول الخلاف لما حكاه الجزري وغيره عن أحد سوى ابن الحاجب.
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي: إن الله أمرني أن أقرأ عليك لم يكن الذين كفروا وفي رواية: أن أقرأ عليك القرآن، قال:
وسماني لك؟ قال: نعم، فبكى متفق عليه.
قوله: أمرني أن أقرأ عليك فيه استحباب قراءة القرآن على الحذاق فيه وأهل العلم به والفضل، وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه، وفيه منقبة شريفة لأبي بقراءته صلى الله عليه وآله وسلم عليه، ولم يشاركه فيها أحد لا سيما مع ذكر الله تعالى لاسمه ونصه عليه في هذه المنزلة الرفيعة. قوله: لم يكن الذين كفروا وجه تخصيص هذه السورة أنها وجيزة جامعة