قدمه، فالنووي يجعل الأول عاما، ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد، والقاضي عياض بخلافه يجعل الثاني عاما فيخص الأول بمن لم يرد دفنها. وقد وافق القاضي جماعة منهم ابن مكي والقرطبي وغيرهما. ويشهد له ما رواه أحمد بإسناد حسن من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا: فمن تنخم في المسجد فليغيب نخامته أن يصيب جلده مؤمن أو ثوبه فتؤذيه وأوضح منه في المقصود ما رواه أحمد أيضا والطبراني بإسناد حسن من حديث أبي أمامة مرفوعا قال: من تنخم في المسجد فلم يدفنه فسيئة وإن دفنه فحسنة. فلم يجعل سيئة إلا بقيد عدم الدفن. ونحوه حديث أبي ذر عند مسلم مرفوعا قال: ووجدت في مساوي أعمال أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن قال القرطبي: فلم يثبت لها حكم السيئة بمجرد إيقاعها في المسجد بل به وبتركها غير مدفونة انتهى. ومما يدل على ذلك أي تخصيص عموم قوله:
البزاق في المسجد خطيئة جواز التنخم في الثوب ولو كان في المسجد بلا خلاف. وعند أبي داود من حديث عبد الله بن الشخير أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله قال الحافظ: إسناده صحيح وأصله في مسلم، والظاهر أن ذلك كان في المسجد فيؤيد ما تقدم، ويؤيد قول النووي تصريحه صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتفق عليه بأن البزاق في المسجد خطيئة، وأن دفنها كفارة لها، فإن دلالته على كتب الخطيئة بمجرد البزاق في المسجد ظاهرة غاية الظهور، ولكنها تزول بالدفن وتبقى بعدمه. قال الحافظ: وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر، كأن لم يتمكن من الخروج من المسجد، والمنع على ما إذا لم يكن له عذر وهو تفصيل حسن انتهى. قوله:
فيدفنها قال النووي في الرياض: المراد بدفنها إذا كان المسجد ترابيا أو رمليا، فأما إذا كان مبلطا مثلا فدلكها بشئ مثلا فليس ذلك بدفن بل زيادة في التقذر. قال الحافظ: لكن إذا لم يبق لها أثر البتة فلا مانع. وعليه قوله في حديث عبد الله بن الشخير المتقدم ثم دلكه بنعله قوله: أو يفعل هكذا ظاهر هذا أنه مخير بين ما ذكر وظاهر النهي عن البصق إلى القبلة التحريم. ويؤيده تعليله بأن ربه تعالى بينه وبين القبلة كما في البخاري من حديث أنس. وبأن الله قبل وجهه إذا صلى كما في حديث ابن عمر عند البخاري. قال في الفتح: وهذا التعليل يدل على أن البزاق في القبلة حرام، سواء كان في المسجد أم لا، ولا سيما من المصلي، فلا يجري فيه الخلاف في أن كراهية البزاق في المسجد هل هي للتنزيه أو للتحريم وفي صحيحي ابن حبان وابن خزيمة من حديث حذيفة مرفوعا: من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله