الحديث أخرجه أيضا الشافعي ومالك في الموطأ وغيرهما. قوله: تحب الغنم والبادية أي لأجل الغنم لأن فيها ما يحتاج في إصلاحها إليه من الرعي وهو في الغالب لا يكون إلا بالبادية. قوله: في غنمك أو باديتك يحتمل أن يكون أو شكا من الراوي، ويحتمل أن يكون للتنويع، لأن الغنم قد لا تكون في البادية ولأنه قد يكون في البادية حيث لا غنم. قوله: فارفع صوتك فيه دليل لمن قال باستحباب الاذان للمنفرد وهو الراجح عند الشافعية. قوله: مدى صوت المؤذن أي غاية صوته. قوله: جن ولا إنس ولا شئ ظاهره يشمل الحيوانات والجمادات فهو من العام بعد الخاص. والحديث الأول يبين معنى الشئ المذكور هنا، لأن الرطب واليابس لا يخرج عن الاتصاف بأحدهما شئ من الموجودات. وفي رواية لابن خزيمة:
لا يسمع صوته شجر ولا مدر ولا حجر ولا جن ولا إنس، وبهذا يظهر أن التخصيص بالملائكة كما قال، القرطبي، أو بالحيوان كما قال غيره غير ظاهر وغير ممتنع عقلا ولا شرعا أن يخلق الله في الجمادات القدرة على السماع والشهادة، ومثله قوله تعالى: * (وإن من شئ إلا يسبح بحمده) * (الاسراء: 44) وفي صحيح مسلم: إني لأعرف حجرا كان يسلم علي ومنه ما ثبت في البخاري وغيره من قول النار: أكل بعضي بعضا، قال الزين بن المنير: والسر في هذه الشهادة مع أنها تقع عند عالم الغيب والشهادة أن أحكام الآخرة جرت على نعت أحكام الخلق في الدنيا من توجه الدعوى والجواب والشهادة. وقيل: المراد بهذه الشهادة إشهار المشهود له بالفضل وعلو الدرجة، وكما أن الله يفضح بالشهادة قوما كذلك يكرم بالشهادة آخرين. وفي الحديث استحباب رفع الصوت بالاذان وقد تقدم تعليل ذلك، وفيه أن حب الغنم والبادية لا سيما عند نزول الفتنة من عمل السلف الصالح.
باب المؤذن يجعل أصبعيه في أذنيه ويلوي عنقه عند الحيعلة ولا يستدير عن أبي جحيفة قال: أتيت النبي (ص) بمكة وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم قال: فخرج بلال بوضوئه فمن ناضح ونائل، قال: فخرج النبي (ص) عليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بياض ساقيه، قال: فتوضأ وأذن بلال فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يقول يمينا وشمالا: حي على الصلاة حي على الفلاح، قال: ثم ركزت