بل تفعل في وقت تعب أهل الأعمال فخففت عن ذلك، والمغرب ضيقة الوقت فاحتيج إلى زيادة تخفيفها لذلك، ولحاجة الناس إلى عشاء صائمهم وضيفهم، والعشاء في وقت غلبة النوم والنعاس ولكن وقتها واسع فأشبهت العصر انتهى. وكون السنة في صلاة المغرب القراءة بقصار المفصل غير مسلم فقد ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم قرأ فيها بسورة الأعراف والطور والمرسلات كما يأتي في أحاديث هذا الباب. وثبت أنه (ص) قرأ فيها بالأعراف في الركعتين جميعا، أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي أيوب.
وقرأ بالدخان أخرجه النسائي، وأخرج البخاري عن مروان بن الحكم قال: قال لي زيد بن ثابت: ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل وقد سمعت رسول الله (ص) يقرأ بطولي الطوليين؟ والطوليان هما الأعراف والانعام. وثبت أنه (ص) قرأ فيه: * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) * (النساء: 167) أخرجه ابن حبان من حديث ابن عمر، وسيأتي بقية الكلام في آخر الباب.
وعن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في المغرب بالطور رواه الجماعة إلا الترمذي.
قوله: بالطور أي بسورة الطور. قال ابن الجوزي: يحتمل أن يكون الباء بمعنى من كقوله تعالى: * (يشرب بها عباد الله) * (الانسان: 6) وهو خلاف الظاهر، وقد ورد في الأحاديث ما يشعر بأنه قرأ السورة كلها، فعند البخاري في التفسير بلفظ سمعته يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية: * (أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون) * الآيات إلى قوله: * (المصيطرون) * (الطور: 35 37) كاد قلبي يطير وقد ادعى الطحاوي أنه لا دلالة في شئ من الأحاديث على تطويل القراءة، لاحتمال أن يكون المراد أنه قرأ بعض السورة، ثم استدل لذلك بما رواه من طريق هشيم عن الزهري في حديث جبير بلفظ: سمعته يقرأ: * (إن عذاب ربك لواقع) * (الطور: 7) قال: فأخبر أن الذي سمعه من هذه السورة هو هذه الآية خاصة، وليس في السياق ما يقتضي قوله خاصة. وحديث البخاري المتقدم يبطل هذه الدعوى، وقد ثبت في رواية أنه سمعه يقرأ: * (والطور وكتاب مسطور) * (الطور: 1 2) ومثله لابن سعد، وزاد في أخرى:
فاستمعت قراءته حتى خرجت من المسجد وأيضا لو كان اقتصر على قراءة تلك الآية كما زعم لما كان لانكار زيد بن ثابت على مروان كما في الحديث المتقدم معنى، لأن الآية أقصر من قصار المفصل، وقد روي أن زيدا قال له: إنك تخف القراءة في الركعتين من المغرب