الله عليه وآله وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: وا ثكل أماه ما شأنكم تنظرون إلي، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكنني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبأبي وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود وقال: لا يحل مكان لا يصلح. وفي رواية لأحمد: إنما هي التسبيح والتكبير والتحميد وقراءة القرآن.
الحديث أخرجه أيضا ابن حبان والبيهقي. قوله: فرماني القوم بأبصارهم أي نظروا إلي بأبصارهم نظر منكر، ولذلك استعير له الرمي. قوله: وا ثكل أماه وأحرف للندبة، وثكل بضم المثلثة وإسكان الكاف وبفتحهما جميعا لغتان كالبخل والبخل حكاهما الجوهري وغيره وهو فقدان المرأة ولدها وحزنها عليه لفقده. وقوله:
أماه بتشديد الميم وأصله أم زيدت عليه ألف الندبة لمد الصوت وأردفت بهاء السكت، وفي رواية إلى داود أمياه بزيادة الياء وأصله أمي زيدت عليه ألف الندبة لذلك. قوله:
على أفخاذهم هذا محمول على أنه وقع قبل أن يشرع التسبيح لمن نابه شئ في صلاته للرجال والتصفيق للنساء، ولا يقال إن ضرب اليد على الفخذين تصفيق لأن التصفيق إنما هو ضرب الكف على الكف أو الأصابع على الكف. قال القرطبي: ويبعد أن يسمى من ضرب على فخذه وعليها ثوبه مصفقا ولهذا قال: فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، ولو كان يسمى هذا تصفيقا لكان الأقرب في اللفظ أن يقول: يصفقون لا غيره. قوله: لكني سكت قال المنذري: يريد لم أتكلم لكني سكت، وورود لكن هنا مشكل لأنه لا بد أن يتقدمها كلام مناقض لما بعدها نحو: ما هذا ساكنا لكنه متحرك، أو ضد له نحو: ما هو أبيض لكنه أسود، ويحتمل أن يكون التقدير هنا: فلما رأيتهم يسكتوني لم أكلمهم لكني سكت، فيكون الاستدراك لرفع ما توهم ثبوته مثل: ما زيد شجاعا لكنه كريم، لأن الشجاعة والكرم لا يكادان يفترقان، فالاستدراك من توهم نفي كرمه، ويحتمل أن يكون لكن هنا للتوكيد نحو:
لو جاءني أكرمته لكنه لم يجئ فأكدت، لكن ما أفادته لو من الامتناع، وكذا في الحديث أكدت لكن ما أفاده ضربهم من ترك الكلام. قوله: فبأبي وأمي متعلق بفعل محذوف تقديره أفديه بأبي وأمي. قوله: ما كهرني أي ما انتهرني والكهر الانتهار قاله أبو عبيد، وقرأ عبد الله بن مسعود: فأما اليتيم فلا تكهر وقيل: الكهر العبوس في وجه من تلقاه.