بالسبحة لعدم الفارق، لتقريره صلى الله عليه وآله وسلم للمرأتين على ذلك. وعدم إنكاره، والارشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز، وقد وردت بذلك آثار، ففي جزء هلال الحفار من طريق معتمر بن سليمان عن أبي صفية مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يوضع له نطع ويجاء بزنبيل فيه حصى فيسبح به إلى نصف النهار ثم يرفع، فإذا صلى أتى به فيسبح حتى يمسي، وأخرجه الإمام أحمد في الزهد قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن يونس بن عبيد، عن أمه قالت: رأيت أبا صفية رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان خازنا قالت: فكان يسبح بالحصى. وأخرج ابن سعد عن حكيم بن الديلمي أن سعد بن أبي وقاص كان يسبح بالحصى. وقال ابن سعد في الطبقات:
أخبرنا عبد الله بن موسى، أخبرنا إسرائيل عن جابر، عن امرأة خدمته، عن فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب أنها كانت تسبح بخيط معقود فيها. وأخرج عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد الزهد عن أبي هريرة أنه كان له خيط فيه ألفا عقدة فلا ينام حتى يسبح.
وأخرج أحمد في الزهد عن القاسم بن عبد الرحمن قال: كان لأبي الدرداء نوى من العجوة في كيس، فكان إذا صلى الغداة أخرجها واحدة واحدة يسبح بهن حتى ينفذهن.
وأخرج ابن سعد عن أبي هريرة أنه كان يسبح بالنوى المجموع. وأخرج الديلمي في مسند الفردوس من طريق زينب بنت سليمان بن علي، عن أم الحسن بنت جعفر، عن أبيها عن جدها، عن علي رضي الله عنه مرفوعا: نعم المذكر السبحة. وقد ساق السيوطي آثارا في الجزء الذي سماه المنحة في السبحة وهو من جملة كتابه المجموع في الفتاوى وقال في آخره: ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة، بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروها، انتهى. (وفي الحديثين) الآخرين فائدة جليلة وهي أن الذكر يتضاعف ويتعدد بعدد ما أحال الذاكر على عدده، وإن لم يتكرر الذكر في نفسه، فيحصل مثلا على مقتضى هذين الحديثين لمن قال مرة واحدة: سبحان الله عدد كل شئ من التسبيح ما لا يحصل لمن كرر التسبيح ليالي وأياما بدون الإحالة على عدد، وهذا مما يشكل على القائلين أن الثواب على قدر المشقة المنكرين للتفضل الثابت بصرائح الأدلة، وقد أجابوا عن هذين الحديثين وما شابههما من نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: من فطر صائما كان له مثل أجره. من عزى مصابا كان له مثل أجره بأجوبة متعسفة متكلفة.